قد يظن البعض أن المقصود بالأخبار المضللة والمغلومة يتعلق فقط بالسياسة وصراعاتها، أو بالتشهير واختلاق الأخبار وتزييفها، فيما يتعلق بالأفراد أو السياسيين، لكن الواقع أن هناك مجالات تتخذ فيها المعلومات والأخبار المزيفة بعدا أكثر خطورة وبعضه قاتل، وعلى سبيل المثال، فإن المعلومات الطبية الخاطئة تتسبب سنويا فى ضرر مباشر لأعداد مضاعفة من البشر.
وتروج بوستات منسوبة لمصادر طبية تنصح مرضى أنواع معينة بتناول أدوية كيميائية أو طبيعية، من شأنها أن تضاعف المرض. هناك بوست شهير عن فوائد اللبان الدكر لعلاج الفشل الكلوى، وقد شيره ونشره مئات وربما آلاف، وبالرغم من صدور تحذيرات من متخصصين، فإن البوست لايزال متداولا، بالرغم من خطورته ولا أحد يعرف مصدره ومثله كثير.
الأخطر هو المعلومات التى تنتشر منسوبة لمراكز طبية أو دعاية مدفوعة عن مراكز لعلاج أمراض مستعصية أو إجراء جراحات خطرة، وهذه المعلومات لا ينطبق عليها شكلا مواصفات الأخبار المفبركة، لكنها تمثل جزءا مهما من عمليات تضليل مدفوعة الأجر، ويدخل فيها إعلانات عن العلاج بالأعشاب أو الحجامة من مراكز وهمية.
لقد كان الرهان عند التبشير بعصر المعلومات والاتصالات، على أن هذه الوسائل سوف تجعل حياة البشر أسهل، وتصنع نوعا من المساوة وعدالة توزيع المعارف بشكل يسهل على الأقل تعليما اتخاذ القرار الأفضل، لكن واقع الحال جعل إمكانية التلاعب والتضليل أكبر، مما يساهم فى فقدان الثقة بأدوات التواصل، وكل هذا نتاج لحالة من الاحتكار يمارسها من هم أكثر احترافية فى استخدام أدوات التواصل بشكل يقلل من حجم التجهيل.
وبالتالى، فإن نشر استطلاعات الرأى والدراسات التى تكشف عن شيوع الأخبار والمعلومات المضللة، وتوجيه النقد للفبركة والتضليل هو الدفاع عن حق الناس فى أن تتلقى المعلومات الصحيحة حتى يكون لديها خيارات التحليل وبناء التصورات بشكل صحيح.
وبالتالى فإن الحرب على الفبركة والأخبار المضللة والأشخاص الكاذبين إنما هو دفاع عن أدوات تواصل حقيقية تتيح عصرا للمعلومات وليس عصرا للتضليل، ثم إن الشكوى من الأخبار المضللة لا تتوقف علينا، والظاهرة لا تتعلق فقط بنا لكنها ظاهرة عالمية، ومن هنا نشأ اهتمام مشترك لدى قطاعات متعددة بالمجتمعات العالمية تدعو لدراسة ما يجرى فى العالم الافتراضى ومحاولة تنقيته، مما يجتاحه من أخبار وتقارير وصور وفيديوهات مزيفة.
ولا أحد يمكنه التكهن بما سوف يكون عليه فيس بوك وباقى أدوات التواصل، وهل هناك إمكانية لمواجهة التضليل والتزييف والتلاعب بحيث تكون النسبة الأكبر للأخبار والمعلومات الصحيحة والنسبة الأقل للكاذبة.
لا يفترض الرهان كثيرا على أن تنجح الإجراءات والقرارات فى مواجهة الأخبار والمعلومات الكاذبة، وقد أعلنت إدارة فيس بوك مرات اتخاذ خطوات لمواجهة الأخبار المفبركة والمضللة، لكن لم يحدث وربما لا تستطيع أداة فيس بوك السيطرة على الأمر، خاصة أن هناك نوعية من الأخبار المضللة يصعب كشفها أو اعتبارها مزيفة، وقد أشرت إلى الأخبار القديمة التى تم تغيير تاريخها، أو الفيديوهات الملعوب فيها بشكل احترافى، وهناك يوميا تقدم فى الجرافيك وبرامج ضبط الصوت والصورة بشكل يجعل من الصعب كشف الحقيقى من المزيف، حيث يمكن تفصيل الأصوات على الأصوات الحقيقية، وبالتالى من السهل صناعة فيديوهات مفبركة يصعب على غير المحترفين كشفها.
ويمكن لهذه التقنيات أن تدعم التزييف والفبركة، خاصة أن الاستطلاعات والدراسات كلها تشير إلى أن أغلبية جمهور فيس بوك وأدوات التواصل من السهل أن يصدق الشائعات ويتداولها ويتفاعل معها بشكل كبير حتى قبل إعلان نتائج استطلاع الرأى الأخير، الذى كشف عن أن 86% من مستخدمى فيس بوك وأدوات التواصل تعرضوا لخداع الأخبار المضللة، وأن المستخدم المصرى من بين الأكثر تصديقا لهذه الأخبار المفبركة، حيث إن المستخدم لا يدقق فى التواريخ أو الصور وربما لا يقرأ ما يقوم بإعادة نشره، لكن الرهان على نمو وعى جماعى من خلال إعلان المعلومات الحقيقية وإتاحتها بعدالة، بما يقلل من تأثير التضليل. الفيس بوك أو أدوات التواصل هى وسائل لها ميزات وأعراض جانبية مثل كل الأدوات المتاحة، ويمكن بالمزيد من التركيز أن تكون أدوات تواصل وليست أدوات تضليل. وبالتالى فالأمر لا يتعلق بحب هذه الأدوات أو كراهيتها، لكنه يتعلق بالاستعمال الأفضل.