بحسب دروس المفكر العسكرى الاستراتيجى الصينى "سان تزو" فى القرن الرابع قبل الميلاد فى حديثه عن استراتيجية الحرب طبقا لكتابه الشهير "فن الحرب": "لابد أن يكون توقيت الحرب ومكانها من اختيارك" ولا تفرض عليك بأى حال من الأحوال، تماما كما سبق وفرضت علينا فى 1956، ولعل شيئا من هذا القبيل أراه يرسخ حاليا وبقوة فى عقيدة الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى يعى درس "تزو"، خاصة فى قوله: "إن القائد الذى يتغلب على كبريائه فى سبيل إنجاح خططه، هو قائد لا يتكرر كثيرا فى التاريخ"، وذلك فى ظل سيناريوهات محتملة لدى الذهنية الغربية لاستغلال مصر على وضعها الحالى فى هذه المنطقة الحيوية من العالم وتحجيمها والسيطرة عليها.
وفى هذا المقام يعى "الرئيس" دروسا كثيرة مستفادة من نكسة 67، والتى لا تعد "هزيمة" كما يقول البعض، لأنه بخسارة الحرب لم تنكسر الإرادة الوطنية - وذلك طبقا لفيلم "الممر" الذى وضع السينما والدراما والتليفزيونية أمام الاختبار الصعب، بعد أن جذب كل الجماهير المتعطشة من كل الفئات لسينما البطولات العسكرية - صحيح أنك خسرت قطعة من أرضك، لكن تبقى هناك هزيمة عسكرية بكل المقاييس على مستوى الدولة، ومع ذلك ظلت معنويات الشعب عالية، ما يعنى انتفاء صفة الهزيمة، ومن ثم تمت عمليات إعادة بناء القوات المسلحة بشكل يدرس عالميا، خاصة أنه تم فى ظل ضغوط من جانب العدو، وبعد ضرب الطيران المصرى على الأرض فى 67 وأصبحت الأرض مكشوفة - كما يكشف لنا فيلم الممر - وهو ما أوعز ببناء دوشم للطائرات بدعم من القطاع المدنى، وبناء مطارات جديدة وممرات داخلها لتنفيذ الطلعات بشكل سريع.
كل تلك المظاهر وغيرها تحتاج من صناع السينما والدراما التليفزيونية فى مصر إلى ضرورة الانتباه إلى ما يرسخ فى ذهن الرئيس من دور للفنون باعتبارها أحد وسائل الإعلام الحديثة فى اختيار التوقيت المناسب للحرب وإنجاح خططه على نحو سليم، وذلك بعد أصبح لدينا جمهور يتعطش - على اختلاف فئاته - إلى أفلام تجسد ذلك الواقع المشرف للعسكرية المصرية، تماما كما لمسنا من تزاحم شديد على شباك التذاكر طوال أيام عيد الفطر المبارك، فى حرص من جانب كل أفراد الأسرة المصرية على مشاهدة فيلم "الممر"، ذلك الذى قدم لنا درسا عمليا فى صناعة الوطنية والتأكيد على الهوية المصرية التى تضم فى أحضانها "خير أجناد الأرض" الذين سجلوا ثلاثة بطولات حقيقية على الأرض، وهى:
أولا: إعادة بناء القوات المسلحة قبل 73، والبناء هنا ليس سلاح فقط بل أسلوب تدريب وابتكار أساليب قتالية جديدة، نظرا لأن سلاحنا كان أقل كفاءة مما كان لدى إسرائيل من الجيل الثالث من السلاح ممثلة فى طائرات "الفانتوم" بينما طائراتنا من الـ"ميج 17" التى تتبع الجيل الأول، والـ"ميج 21، و سوخوى 7" التى تتبع الجيل الثانى.
ثانيا: التركيز على التدريب غير الطبيعى، ووسط كل ذلك برزت كفاءة ومهارة المقاتل المصرى ليصبح رقما صعبا فى ميدان المعارك، رغم ضعف العامل الاقتصادى، فضلا عن توقف الملاحة فى القناة التى كانت توفر العملة الصعبة لشراء معدات جديدة كانت قاصرة على المعسكر الشرقى، وهو الآخر كان تحت وطأة الحرب الباردة، الأمر الذى يمنعه بالضرورة من إمداد مصر بالسلاح الحديث كى لا يؤثر على كفاءته.
ثالثا: حافظ الجيش على نقل الخبرات من جيل أكتوبر إلى الأجيال التالية، ما حافظ على كفاءة الجندى المصرى المعروف بـ "خير أجناد الأرض" حتى اللحظة الحالية، وقد تجلت تلك الكفاءة القتالية المصرية للعالم فى مناورات "النجم الساطع" وغيرها من المناوات مع دول الغرب حين أذهلتهم مهارة جند مصر، رغم أننا كنا نشترك بطائرات الجيل الثانى من "ميج 21" وهى لا تضاهى تقنيات الـ" f14 وf15، وF16" ، لكن أسلوب الهجوم الجماعى المشترك فى لحظة واحدة أظهر تلك الكفاءة المصرية النادرة.
الحقائق الماثلة أمامنا الآن تشير إلى أن لعبة الإعلام - كما يدركها الرئيس - تنجح قبل تحرك الجيوش فى تفكيك دول كثيرة بسهولة من خلال الجيل الرابع والخامس للحرب اللذين يعتمدان على استراتيجية الهدم من الداخل على جناح مزج القوى الخشنة والناعمة معا، وتلك أخطر من السلاح النووى والله، خاصة عندما يتم استهداف (الشعب - الجيش - القيادة)، ونظرا لأن هذا المثلث المصرى متماسك حتى الآن فقد أصبح حائلا منيعا دون النيل من هذا البلد.
كما تجدر الإشارة إلى أنه إذا كان للقوات المسلحة عقيدة قتالية، فلابد من أن يكون لها عقيدة إعلامية مشابهة تعتمد على الفن الهادف فى جوهره كوسيلة ناجعة لدعم الجيش فى خطواته للتصدى للمؤامرات، خاصة فى ظل الحرب الموجهة ضدك الآن بروح عدائية على جناح البلبلة وبث المعلومات المغلوطة التى تسبب الإحباط، إلى حد أن يقف الجيش نفسه عاجزا أمامها فى ظل تذبذب الروح المعنوية لدى الجماهير، كما هو ماثل أمامنا فى "داعش" فى العراق "وجبهة النصرة" فى سوريا، وذلك الخليط العجيب من الجماعات الإرهابية فى ليبيا، فضلا عن جماعة "الحوثى" فى اليمن، بعدما نجحت آلة الإعلام فى كسر شوكة الثقة بين هذه الشعوب وجيوشها النظامية محطمة روح شعوبها المعنوية.
ومن ضمن أدوات الإعلام فى وقتنا الحالى "السينما والدراما التليفزيونية" باعتبارهما خطا المواجهة الأول فى التصدى لحروب أهل الشر، وفى هذا الصدد نبه "الرئيس" فى أكثر من مناسبة إلى ضرورة وجود فن هادف وحقيقيى يعى حقيقة البطولة المصرية على المستوى العسكرى والمدنى، فى إشارة واضحة إلى خطورة الجيلين الرابع والخامس من الحرب، والتى تكمن فى تغيير المفاهيم عند شباب لم يعش زمن الحروب القديمة، ولا يملك وعيا كبيرا بعمليات الخداع الغربية على مر التاريخ، تلك التى لا تكف عن ابتكار أساليب وطرق تستهدف السيطرة على مقدرات دولة أو أمة بكاملها بعد تكسير جيوشها، وذلك من خلال بالمزج الذكى مع الجيل الرابع والخامس للحروب، كى ننشغل نحن فى قضايا الإرهاب، وهو ما يرتبط بأطماع الغرب التى زادت أكثر فى أعقاب نصر أكتوبر73.
وكل ذلك يتم بنظرة مغايرة تستند إلى نظرية الأمريكى "ماهان"، والذى يعتبر "أبو البحرية فى العالم كله"، عندما قال "من يسيطر على البحار أو الممرات المائية يمكن أن يسيطر على العالم"، لهذا فقد أوحى لأمريكا بتطوير سلاح البحرية بهذا الشكل الرهيب من حاملات الطائرات عبر أكبر أسطول بحرى يجوب العالم كله للتدريب ومراقبة العقد والممرات البحرية، وإنشاء قواعد بحرية على الشواطئ القريبة منه، كما هو موجود فى "جيبوتى" على سبيل المثال.
ويلزمنا فى هذا المقام التأكيد على أن ذكاء القيادة المصرية الحالية تجلى فى التوجيه لإقامة مشروع تنمية محور قناة السويس، والذى لا يقل أهمية عن نصر أكتوبر أو إقامة القناة نفسها، لأنه فى ظل وجود شركات واستثمارات عالمية على امتداد المحور يجعل لمصر ميزة مهمة فى ارتباط مصالحها بالعالم، بعدما انتقلت حروب القناة من منطقة الصراع العربى الإسرائيلى إلى دائرة الصراع الدولى، وفى ظل تحول القناة إلى عقدة مواصلات ضخمة لا يستطيع العالم التفريط فيها بسهولة.
ولعل ذكاء القيادة المصرية قد نجحت إلى حد كبير فى إجهاض سيناريوهات الجيلين الرابع والخامس من ناحية، ومن ناحية أخرى ضمان حماية سيناء ومساعدة مصر فى حربها ضد الإرهاب الذى يقترب من الممر المائى الاستراتيجى، وفى الوقت نفسه أثبتت القيادة المصرية بقيادة السيسى بحكمتها وحنكتها السياسية للمتآمرين فى الخارج والداخل بأن"الحالة المثالية لحروب الجيلين الرابع والخامس ليست مصر"طبقا للمفاهيم العسكرية الحديثة.
لكن ما يلزمنا - الآن وليس غدا - حزمة من الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية التى تشى بالبطولات العسكرية لرفع الروح المعنوية لدى شباب هذا الجيل الذى أبدى تفاعلا غير متوقع مع تجربة فيلم "الممر"، وذلك بعد أن أصبحتا السينما والدراما بالفعل سلاحا رادعا ضد قوى التطرف التى تعتمد على عدة أذراع إعلامية تستخدم الشائعات لضرب البنية التحتية وصناعة البلبلة، نظرا لوجود عدد قليل من أفلام السينما والمسلسلات التى تؤرخ لأساطير العسكرية المصرية، ومن هنا يبدو جليا ذلك القصور الكبير فى نوعية الأفلام والمسلسلات التى تخاصم نفس البطولات العسكرية، رغم أنها ماتزال تكتب ملاحمها اليومية بفضل بطولات القوات المسلحة، ولعل أبرزها حاليا يتجلى فى مكافحة الإرهاب، فضلا عن مجالات الخدمة المدنية.
وعلى قدر علو شأن الجيش ومكانته على مستوى الأحداث والشخصيات، فى وقت تنمو فيها السينما والمسلسلات نموا مضطردا على مستوى الإنتاج والتقنيات التى يمكن تجسد أروع الأعمال التى تستلهم البطولات الأسطورية من رحم معارك الجيش، فلا تزال السينما والدراما المصرية تغمضا عينيهما تماما، بل تغطان فى وحل العنف والإسفاف والتردى الذى يخاصم طبيعة المجتمع المصرى، بعد ثورتين ملهمتين لعب فيهما الجيش المصرى دورا بارزا فى العبور الثانى إلى شاطئ الأمان.
صحيح أن السينما قدمت أفلام :"العصفور" 1972، من كتابة وإنتاج إخراج يوسف شاهين، بطولة محسنة توفيق وصلاح قابيل ومحمود المليجى، "أغنية على الممر" 1972، سيناريو وحوار مصطفى محرم وإخراج على عبد الخالق وبطولة محمود مرسى وصلاح قابيل ومحمود ياسين، "الوفاء العظيم 1974"، تأليف فيصل ندا وإخراج حلمى رفلة ومن بطولة نجلاء فتحى ومحمود ياسين وكمال الشناوى، "أبناء الصمت" 1974، بطولة نور الشريف ومحمود مرسى وميرفت أمين، "الرصاصة لا تزال فى جيبى " عام 1974 بطولة محمود ياسين وحسين فهمى ويوسف شعبان ومحيى إسماعيل، "بدور" 1974، تأليف وإخراج نادر جلال ، وبطولة نجلاء فتحى ومحمود ياسين ومجدى وهبة، "العمر لحظة" 1978 ، كتابة يوسف السباعى وسيناريو وجيه نجيب وحوار عطية محمد، بطولة ماجدة وأحمد مظهر وناهد شريف، "إعدام ميت" 1985، بطولة محمود عبد العزيز وفريد شوقى ويحيى الفخرانى، "الطريق إلى إيلات" 1993، أخرجته إنعام محمد على، بطولة عز العلايلى، صلاح ذو الفقار ونبيل الحلفاوى ومادلين طبر، "أيام السادات" 2001، بطولة كل من أحمد زكى وميرفت أمين ومنى زكى وأحمد فؤاد سليم، و"يوم الكرامة"2004، بطولة أحمد عز وياسر جلال وسمية الخشاب ومحمود قابيل.
لكن فى ظل تمايز السينما بفيلم "الممر" الذى وضع أسس جديدة لاختيار الجمهور، وكذلك التمايز الواضح بمسلسلات أصبحت الآن تعبر عن الواقع المصرى وما يواجهه من تحديات ومؤامرات من جانب الدول والمنظمات والتنظيمات الإرهابية مثل "كلبش 3 نموذجا"، وعلى أساسه تحولت الى صناعة رمضانية بامتياز، وتحرك دورتها الانتاجية ملايين الدولارات، يبقى على عاتق صناعها مسئولية تقديم تلك البطولات العسكرية كنوع من تطهير البيئة الفاسدة من الممثلين والمنتجين، كما حدث فى موسم رمضان المنصرم، بفضل وعى الدولة والرئيس بأهمية الفنون الراقية، بعد أن ظلت مرتعا للفوضى والعشوائية وضياع الهوية لفترات طويلة، ولعل فى انجازات وبطولات الجيش المصرى الكثير من العبر والحفاظ على الهوية الوطنية المستمدة من دروس الحرب والسلم ومواجهة الإرهاب، وهى كفيلة بأن ترسخ فى الذاكرة الشبابية أسطورة جيش مصر الوطنى، الذى انحاز للشعب منذ فجر التاريخ ويقدم شهداءه حتى اليوم، بل يقدم كافة أفراده أنفسهم كشهداء تحت الطلب حفاظا على تراب هذا الوطن.