هل نخرج من مولد وثائق بنما بـ«لا حمص»؟
لا أخفى عنك أننى كنت متحمسا بشدة لنتائج وثائق بنما التى تم الكشف عنها مؤخرا، ودليل حماستى أننى كتبت أمس مقالا أبشر فيه بما ستسفر عنه هذه الوثائق التى لا تقبل الشك، لكنى فى الحقيقة استسلمت لغريزتى الصحفية، وسألت نفسى سؤالا ربما قد يكون قد غاب عنى قبل كتابة المقال مثلما غاب عن معظم الكتاب والصحفيين الذين تناولوا قصة وثائق بنما أمس، هذا السؤال هو: هل ما تم الكشف عنه من وثائق تؤكد إخفاء علاء مبارك لأمواله فى شركات «أوف شور» جديد؟ وهل جهات التحقيق فى مصر لا تعلم شيئا عن هذه الأموال؟ وهل سبق سؤاله عنها أم لا؟ ولهذا توجهت بهذه الأسئلة إلى بعض الأشخاص فى جهات التحقيق المصرية حتى جاءنى الجواب من مصدر «ثقة» صادما.
أولا: جميع ما أعلن عنه حتى الآن من وثائق متوافر لدى جهات التحقيق فى مصر منذ عدة سنوات ومصدرها كان من سويسرا، وتم سؤال علاء مبارك بشأنه من قبل، وليس علاء فحسب وإنما جمال أيضا، لكن الوثائق كشفت عن اسم علاء فحسب، لأن علاء هو الذى كان يتعامل مع شركة موساك فونسيكا البنمية، بينما كان جمال مبارك يتعامل مع بنوك سويسرا مباشرة وله حسابات تتعدى الـ500 مليون دولار أمريكى فى تلك البنوك مسجلة باسمه هو وزوجته خديجة الجمال وابنته فريدة أما علاء فأمواله تصل إلى 450 مليون دولار أمريكى، وقد تم سؤالهما عن مصدر هذه الأموال، فعجزا عن تبرير مصدرهما باستثناء بضعة ملايين لا تتعدى العشرة، وبناء على هذا تم تجميد أموالهما فى سويسرا لحين المطالبة بها وقد تمت بالمطالبة بالفعل، لكنها رفضت لأن الخطاب الذى تم إرساله كان مكتوبا بالغة العربية وليس بالإنجليزية!!
ثانيا: فى حالة رجال الأعمال ومنهم وزير الصناعة الأسبق رشيد محمد رشيد فإن أيضا ما تم الكشف عنه من وثائق لا يعد جديدا بأى حال من الأحوال، وقد استطاعت جهات التحقيق إثبات عدم قانونية بعض أموال رشيد نتيجة تلاعبه فى البورصة واستغلاله لنفوذه، وتم تقديم رشيد للمحكمة بهذه التهم، وتم الحكم عليه، وبناء على هذا يتم التصالح على ما استولى عليه بدون وجه حق.
ثالثا: شركات «الأوف شور» فى حد ذاتها ليست أمرا غير قانونى، بل على العكس تماما، قد تكون حلا سريعا وعمليا لأى رجل أعمال يريد الاستثمار، لكنها تشبه «الخزنة» التى يجوز أن تخفى فيها أموالا «شرعية» كما يجوز أن تخفى فيها أموالا «غير شرعية» وجريمة آل مبارك فى هذا الأمر أن غالبية أموالهم غير شرعية لعدم وجود مصادر للدخل كبيرة لهم باستثناء استغلالهم لنفوذهم.
هذه هى أهم المعلومات التى حصلت عليها بعد طرحى للعديد من الأسئلة على بعض الشخصيات الموثوق فى حياديتها تجاه هذه القضية، وفى الحقيقة فإننى قد ترددت فى نشرها أكثر من مرة لما تمثله من صدمة لى شخصيا ولمجتمع يريد أن يثأر ممن سرقوه، لكنى آثرت أن أعرض هذا الوجه من وجوه الحقيقة حتى لا نفرط الثقة فى هذه الوثائق مثلما فعلنا مع كذبة الـ«70 مليار» الخاصة بمباركثم نخرج من مولدها «بلا حمص».. نكمل غدا.