عندما كان اللاعبون هواة، كانت كرة القدم تمتع الطرفين، لكنها لم تكن مربحة ولا تجلب الملايين والمليارات. لكن العالم تغير وأصبحت كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية وإثارة لشهية الربح فى نفس الوقت. الجمهور كان متحمسا مع لاعبين هواة متحمسين، الآن مايزال الحماس قائما، واللعبة نفسها أصبحت استثمارا وتسويقا وصراعات على مليارات.
وكما يقول الروائى الاورجوايى ادوارد جاليانو «باتت كرة القدم تخضع لقوانين السوق. يلعب اللاعبون من أجل الربح أو لمنع خصومهم من الربح، وحيث أصبح الاستعراض واحدا من أكثر الأعمال التجارية ربحا فى العالم». ويقول جاليانو فى كتابه «كرة القدم بين الشمس والظل» «الكرة حين تدور وتدور معها مشاعر الملايين. فهى ذبيحة بين أطماع المؤسسات والشركات والمنظمات، ومصالح وخيارات الساسة، وبين سلطة الفيفا، التى لم تعد قاصرة على صياغة قوانينها فقط، بل تجاوزتها لتشارك فى تحولها لصناعة قابلة للتصدير».
لم تعد اللعبة بسيطة وحيث تكون اللعبة فى أفضل حالاتها عندما تجعل اللاعب والمشجع سعيدين، ظل الجمهور بحماسه، والجمهور ليس هو الألتراس ولا الشماريخ، وهى علامات حديثة ظهرت قبل عقود قريبة، وكانت نتيجة للتطور العالمى فى اللعبة، جعل الأمر أكثر تعقيدا، فى استعراض متوحش لايقوم من دون اكتمال أطرافه اللاعب والجمهور، ولم يكن ظهور الالتراس وتقاطعاته بعيدا عن التفاصيل والعلاقات المتصلة باللعبة وأطرافها، وهذه الأطراف أعقد من مجرد إدارات نوادى، أو منتخبات لكن أيضًا شركات وسماسرة ووكلاء ومسوقون.
والألتراس ليسوا مجرد جمهور متعصب ومهووس، لكنهم باختيارهم أو رغما عنهم باتوا جزءا من علاقات معقدة، وأقرب إلى جماعات أخوية منظمة، لها جانبها السرى، ويتحركون بدافع غرور المنظمات، وكتل تتجاوز التشجيع إلى التهديد وفرض وجهات النظر. وقد ظهر هذا فى تسييس واضح لجماعات الألتراس، انتهت لمصادمات وضحايا، بعد أن عبر الألتراس حواجز واضحة بين التشجيع والتسييس، حيث الكرة مطلقة والسياسة نسبية، واختلاطهما يفسد الكرة والتشجيع والسياسة، وكل هذا التداخل لم يظهر بوضوح قبل عشر سنوات وتجلى أكثر عندما سقطت الحواجز بين الجمهور الكروى والجمهور السياسى.
أما عن أسعار التذاكر بكأس الأمم وأنه سبب فى استبعاد الجمهور الطبيعى فإن مقارنة سعر التذكرة بأسعار كل شىء يضعها فى سياق منطقى. فى 2006كان سعر تذكرة الدرجة الثالثة 20 جنيها، ومقارنتها بأسعار الطعام والشراب، يضعها فى معدل ثابت، ثم أن الجمهور كان مستعدا لحرق آلاف الشماريخ بعشرات الآلاف من الجنيهات. تضاف لفواتير التشجيع. ولو عاد البعض لإحصائيات استهلاك الشماريخ، يكتشف أن ملايين كانت تنفق على الشماريخ وأدوات التشجيع تم منعها فى كل مدرجات العالم بعد حوادث مؤسفة، مع الأخذ فى الاعتبار أن بعض الكافيهات تحصل على ما يقارب سعر التذكرة، والفرجة فى المدرجات اختيار لمن يفضلون المتعة المباشرة. بينما تفضل الملايين المقاهى والتجمعات العامة. الكرة لعبة جماعية ومتعة جماعية.
وربما تكون هذه الزوايا مهمة لمن يريد مناقشة لقضية الجمهور وتحولاته، فالتغير فى اللعبة وفى الملايين حولها والمصالح فى دوائرها فهى صناعة تحول المتعة الكروية والمهارات الفردية، إلى أموال، ويدير الإعلام ومحطات البث ومنتجو المستلزمات، سلوك الجمهور المهووس يريد الإثارة، حتى لو قامت حروب بين الدول. ولهذا يتداخل الإعلام الرياضى بشركات الأحذية والمشروبات، ليلعبوا لعبتهم المفضلة لتحقيق الأرباح ولا يهم أن تقوم حروب أو تتطاير شتائم وحفلات سباب، تنهى عصر الكرة النظيفة الممتعة للهواة إلى احتراف خشن. ويبدو الجمهور هنا مفعولا به، يتاجر هؤلاء بالحماس والهوس والتعصب، ليحولوه إلى أرصدة فى ماكينات إنتاج الهوس.