يمكنك أن تتكلم عن ضعف الحياة السياسية المصرية كما شئت، وأن تتناول ترهل الأحزاب السياسية القديمة وتهافت الجديدة منها، وعدم قدرة أى من الكيانات الحزبية على عقد صلات حقيقية مع الجماهير، وبناء قاعدة شعبية واسعة على غرار الوفد مثلا قبل ثورة 1952، لكنك لا تستطيع تجاهل الزخم الكبير الذى أحدثته مؤتمرات الشباب التى انعقدت حتى الآن عدة مرات فى محافظات مختلفة، وضم بعضها شبابا من مختلف دول العالم.
المتابع للخط الذى تتخذه مؤتمرات الشباب، بحضور السيسى وقيادات الدولة المصرية، يلاحظ أنها تسد الفراغ السياسى الكبير الذى نعانى منه، كما تستحدث لغة عصرية تخاطب الأجيال الجديدة، وتمد الجسور معهم، من خلال دعوة شخصيات ناجحة وشباب الجامعات والمتفوقين فى مختلف المجالات داخل مصر، وكذا فى الخارج، الأمر الذى يجعلنا نقول باطمئنان إن مؤتمر الشباب هو أكبر حزب سياسى وشعبى فى البلد، وإقامته بانتظام ضرورة ملحة للنهوض بالحياة السياسية، ومنح الأجيال الجديدة فرصة للتعبير عن نفسها.
وخلال مؤتمرات الشباب المنعقدة حتى الآن، شاهدنا حراكا سياسيا كبيرا ومشاركة فاعلة من مجموعات شبابية نابهة بالتوازى مع خبرات كبيرة فى مختلف المجالات، مع توجه لاجتذاب الشباب المصرى المهاجر والاستماع برحابة إلى ملاحظات وانتقادات الشباب المحبط فى الداخل الذى لم يعد يعرف ما الجدوى من ثورتين، قام بهما خلال سنوات قليلة دون أن يتحقق حلمه فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
ولمسنا جميعا كيف تتبنى الدولة المصرية مشروعا إصلاحيا وتنمويا قابلا للتطبيق، من خلال طرح المشكلات بصراحة على المواطنين مع دعوتهم للمشاركة الفعالة فى تقديم الحلول، وتحمل مسؤولياتهم تجاه بلدهم، وهذا الطرح الذى تميز بالعقلانية والنهج العملى التنفيذى أسهم بدرجة كبيرة فى تحول فئات المجتمع وفى القلب منهم الشباب، من الرومانسية فى طلب الحلول بالهتاف فى الميادين والخروج بمظاهرات، إلى العمل الشاق وبذل الجهد بهدف التغيير.
النهج الإصلاحى التنموى أوضح للشباب ولمختلف فئات المجتمع المصرى أن هناك أملا، ولكن له ثمن من المشاركة والتحمل والصبر، وأن التغيير ممكن طبعا إلى الأفضل، ولكن بالعمل الشاق وبذل الجهد ومواجهة كل السلبيات القديمة، وفى مقدمتها الفساد والسلبية والغش والوساطة والفهلوة والاستعجال والبحث عن حلول خرافية والهروب من المشكلات بالمسكنات.
مؤتمرات الشباب من ناحية ثانية تعوض النقص فى التواصل بين الحكومة والمواطنين، فنرى الوزراء ومساعديهم يعرضون خططهم التنموية بالتفصيل أمام المشاركين من الشباب، ويستمعون لأسئلتهم وانتقاداتهم واستفساراتهم، والرئيس نفسه يفعل ذلك برحابة صدر كبيرة، مما يبنى جسور الثقة بين المواطنين وبين قيادات الدولة وصناع القرار، ويواجه دون جهد كبير، حروب الشائعات والأكاذيب التى تتعرض لها الدولة المصرية.
وفى هذا السياق المهم والضرورى للغاية، يمكن أن يتحول منتدى شباب العالم إلى منصة إلكترونية دائمة على مدى العام، وإلى مركز للحوار وتبادل الأفكار وعرض التوجه المصرى فى معالجة شتى القضايا التى تهمنا، وتهم المنطقة العربية والعالم، فالرهان على الحوار بين الشباب وبين قيادات الدولة على أعلى مستوى مطلوب فى ذاته، كما أنه يمثل جدار حماية كبيرا من كل أشكال الحروب الحديثة ومنها الحروب الإعلامية الموجهة بالتقارير المضروبة ونشر الشائعات والأخبار التى تستهدف النيل من الرموز الوطنية.
وقد لمسنا استجابة كبيرة من الشباب المصرى لما يدور وتتم مناقشته فى مؤتمرات الشباب المتتابعة، وذلك فى مواجهة ما تروجه منصات إطلاق التقارير والأخبار الموجهة ضد بلدنا وأبواق جماعة الإخوان الإرهابية الذين أصبحوا مثل قوم موسى فى فترة التيه، يطلبون المعجزات حتى إذا تجلت أمامهم أنكروها واستمروا فى عبادة العجل، هؤلاء الشباب المتابعون لمؤتمرات الشباب وما يجرى فيها، أصبحوا أكثر وعيا وقدرة على التصدى لكارهى هذا البلد ولاستقراره وتقدمه، كما أصبح هناك وعى عام بضرورة العمل والاجتهاد والبدء بالمشروع الشخصى الذى يسهم فى دفع البلد للأمام جنبا إلى جنب مع المشروعات العملاقة التى تقوم بها الدولة.
الوعى العام المكتسب من خلال مؤتمرات الشباب، هو فعلا حائط الصد أمام الحرب المعلوماتية التى نواجهها من ناحية، كما أنه إعداد جيد لمجموعات من الشباب هى غير فاعلة الآن فى الحياة السياسية، لكنها مستعدة عند وجود الفرصة لإثبات ذاتها بحماسة وقدرة وإنكار ذات، وهو مكسب كبير إذا أخذنا فى الاعتبار النسبة الغالبة للشباب فى مجتمعنا، وكيف أنهم سيتسلمون القيادة فى مختلف المواقع خلال السنوات القليلة المقبلة.