بمناسبة الموضوعات التى طرحت فى مؤتمر الشباب الأخير كانت قضية التعليم، وهى قضية لم يتوقف الحديث فيها وحولها طوال السنوات الأخيرة، وعندما طرح الدكتور طارق شوقى مشروع تطوير التعليم، كان الحديث عن مدارس أكثر تحديثا لديها بنية تقنية وتحديثية تتناسب مع التابلت والتكنولوجيا والمناهج التى تتاح على الشبكة، ومع الحديث عن الإنترنت والسبورات الذكية للعملية التعليمية، تجددت الحاجة إلى مدارس وفصول يمكنها استيعاب الأعداد الإضافية من التلاميذ الذين ينضمون للعملية التعليمية كل عام.
لدينا مشكلة تكدس التلاميذ فى الفصول، وهى أزمة مزمنة بدأت بشكل واضح من نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وتفاقمت فى التسعينيات، ووصلت كثافة الفصول إلى ما يقرب من 100 تلميذ فى بعض المناطق، وتتبدى فى أزمة قبول التلاميذ فى كل سنة والاختيار بناء على السن، مما يتسبب فى تأخر كثير من التلاميذ فى الدخول خاصة إلى مدارس الحكومة، وحتى المدارس الخاصة بالرغم مما تحصله فهى عاجزة عن استيعاب كل المتقدمين لديها، ويصل الأمر إلى البحث عن وساطة لقبول التلاميذ، مع تحول التعليم الخاص إلى تجارة غير عادلة ولا مناسبة.
من هنا يمكن تفهم حجم العبء الملقى اليوم ونحن نتحدث عن حل شامل للقضية التعليمية، حيث لم يعد يصلح نظام الترقيع والتلفيق الذى ساد طوال عقود وأوصلنا إلى ما نحن فيه، من نقص فى الفصول، وتردٍّ لأحوال المعلمين، وهو نفس ما يمتد إلى الصحة والطب، حيث يمثل التعليم والصحة أهم قضيتين تتعلقان بأى تطور.
وقد فرضت نفسها وخلال مؤتمر الشباب تحدث الرئيس فى موضوع التعليم، وطرح القضية بشكل واضح، من دون تزويق، ولم يتوقف خلال الشهور الماضية عن إثارة الموضوع من جوانبه فى المؤتمر الأخير قال: «فيما يتعلق بالتعليم.. الدكتور طارق شوقى بيتكلم فى 250 ألف فصل، بحاجة لـ125 مليار عشان نوصل لنسبة كثافة معينة مش معتبرة.. ياترى القائمين على العملية التعليمة دخلهم مناسب.. أنا عارف بس أنا مش قادر.. ودى إشكالية مصر، وعارف إنه مطلوب إصلاح أحوال العاملين فى التعليم والصحة عشان نوفر لهم الظروف التى تمكنهم من الانطلاق».
بالطبع كان الرئيس يشير إلى أننا ونحن نطور التعليم علينا أن نوفر دخولا مناسبة للمعلمين والأطباء والتمريض وغيرهم حتى يمكننا أن نطلب منهم تأدية عملهم بشكل كامل.
إذا استعرضنا قضية التعليم والفصول، نكتشف أننا نقوم بعملية تأسيس، نحتاج إلى 250 ألف فصل لاستيعاب التلاميذ، بتكلفة معلنة، ونكتشف أننا خلال أربعة عقود، لم تكن هناك عملية تجديد وإضافة تتناسب مع الزيادة السكانية، وعندما أراجع هذا فى بلدى مثلا مركز ومدينة بسيون، فى بداية السبعينيات كانت هناك 5 مدارس ابتدائى، ومدرستان إعدادى، ومدرسة ثانوية، وواحدة تجارية، كان عدد سكان مصر 30 مليونا.
كان هذا العدد كافيا لاستيعاب التلاميذ حتى الثمانينيات، وطوال ثلاثين عاما لم تتم إضافة سوى مدرسة واحدة للبنات، ومدرستين خاصتين أو ثلاثة مع معهد أزهرى، وبعض مدارس ومعاهد مدارس فى القرى، ومدرسة صناعية.
فى نهاية الستينيات كانت هذه المدارس تكفى وعدد السكان 30 مليونا، واليوم وقد بلغنا 100 مليون لايزال عدد المدارس ثابتا تقريبا، لم ينمُ بنفس الدرجة، ظهرت مدارس خاصة لكنها أقل من الزيادة المقابلة. ونتساءل: ماذا لو كانت قامت فى هذا المركز مدرسة واحدة سنويا أو كل عامين، ساعتها كانت المدارس تزيد بمعدل 30 مدرسة على الأقل فى كل مركز، تتوزع تكاليف إنشائها على مدى سنوات، ونفس الأمر فيما يتعلق بمستشفى مركزى كان يكفى السكان لو بقى كما هو، بل اختفت مستشفيات متخصصة ومدرسية.
معنى هذا أن كل الحكومات طوال أربعين عاما لم تنشغل بالأمر، وكان يتم بطريقة ترقيعية، وتلفيقية، نحن أمام أكبر خطأ فى حق المواطنين، وما زلنا نتذكر فى نهاية التسعينيات عندما أعلن الحزب الوطنى ورجال أعماله وحكومته عن مشروع الألف مدرسة والذى ظل مجرد إعلان دعائى انتخابى.
اليوم، نحن نتحدث عن فصول تعالج خلل أربعين عاما وتحتاج مئات المليارات للبناء والصيانة مع تخطيط للقادم، بحيث لا يتكرر الأمر، ثم إن بناء 250 ألف فصل وتحسين مستوى المعلمين يحتاج إلى موازنة ضخمة ويتطلب وجود مشروع لتمويل بمشاركة المجتمع المدنى والصناعى، حتى يمكن تحقيقه، وحتى لا تتكرر عملية تجميد التعليم، وتراكمات 40 عاما من الإهمال وكأننا نؤسس من جديد.