نعيش الآن أياماً مباركة تفوح منها روحانيات تبعث فى النفس الاحساس بقيمة وعظمة الاحتفال بعيد الأضحى المبارك الذى يأتى عقب وقوف حجاج بيت الله الحرام على جبل عرفات فى مشهد مهيب رافعين أكف الضراعة الى المولى عز وجل أن يتقبل منهم الأعمال الصالحة وكيف لا يكون الأمر على هذا النحو ونحن نعيش أياما طيبة مباركة هى العشر الأواخر من ذى الحجة فكما هو مؤكد ان تلك الأيام العشرة ولياليها أيام شريفة ومفضلة حيث يضاعف العمل فيها كما يستحب فيها الاجتهاد في العبادة وزيادة عمل الخير والبر بشتى أنواعه فالعمل الصالح في هذه الأيام له فضل عظيم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» ويقصد بها الأيام العشر الأولى من ذى الحجة.
وهى أيضاً تلك الأيام المباركة التى أقسم بها المولى جل شأنه فى كتابه الكريم بقوله "وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ"
والأمر فى تقديرى لم يتوقف عند العشر الاوائل من ذى الحجة بل يشمل ايضا الاحتفال بأداء فريضة الحج الذى يجسد الكثير والكثير من المعانى الانسانية النبيلة ابرزها بل أهمها على الاطلاق فلسفة التكافل بين المسلمين ففى الاعياد يشعر القادر بأوجاع والآم الفقراء والمحتاجين وفيه أيضاً نتجرد من عرض الدنيا ونتلمس طريق فعل الخير بالعطف على الفقراء والمحتاجين ومد يد العون لمن هم فى أشد الحاجه الى المساعده ، ويعرف عيد الأضحى المبارك بأنه خير الأيام عند الله تعالى وهذه المنزلة العظيمة لم تأت من فراغ بل أنها نتيجة طبيعية لتلك الأعمال العظيمة التي تتم فيه والتى أمر الله تعالى بها لذا فإن المسلمون ينتظرون هذا اليوم من العام إلى العام؛ حتى يفرحوا فيه، ويسعدوا، ويتبادلوا التهاني، ويتقربوا إلى الله سبحانه وتعالى، فهو يوم خير وبركة فنتنشر فيه عادات فعل الخيرات باعتبار أن العيد بمثابة الوسيلة التي يمكن من خلالها توطيد أواصر المحبة والتراحم بين أبناء المجتمع الواحد.
واعتقد أنه قد آن الآوان وسط هذا الكم الهائل من ضغوط الحياة أن نعتبر تلك الايام المباركة التى نعيشها نقطة تحول فى حياتنا وأن نتجاوز خلافاتنا ونبدأ صفحات جديدة فى تعاملات بعضنا البعض وان نتجنب اية اعمال قد تتسبب فى افساد فرحتنا بالعيد وأن ننقى قلوبنا ونفسح المجال أمام التصرفات النبيلة البعيدة كل البعد عن تصرفات الحقد والغل والكراهية .
انها فرصة لأن نعلى من القيم النبيلة حيث التواد والتراحم فيما بيننا وأن نتأسى أيضاً برسولنا الكريم سيدنا محم عليه افضل الصلاة والسلام الذى كان يحضنا دائماً على فعل الخيرات خاصة فى أيام الأعياد وذلك فى إطار حرصه على افشاء المحبة بين الناس وتعظيم فضيلة التكافل الاجتماعى .
ففى حديث شريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"، وقال عليه الصلاة والسلام ايضاً " المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا".
وهذا التوجه النبيل بدأ وبشكل ملموس منذ تأسيس المجتمع الاسلامى بعد الهجرة النبوية الشريفة حيث كان التكافل الاجتماعي اساس كل شيء بل هو أساس بناء المجتمع بالكامل ومصطلح التكافل الاجتماعي في المفهوم الحديث يقصد به اجتماع أفراد المجتمع على المصالح المشتركة فيما بينهم ليس هذا وحسب بل يتطلب أن يكونوا يدًا واحدة ضد المعوقات الفردية والجماعية التي تواجههم والوقوف على كل ما يواجه أفراد المجتمع الواحد سواء بمساعدة للمحتاج وإغاثة للملهوف وحماية للضعيف وايضاً بالقيام بتكريم من يستحق التقدير والوقوف إلى جانب بعضهم في دفع المظالم وتسوية الخلافات وتقريب وجهات النظر بين أفراد المجتمع الواحد. فيصبح المجتمع أكثر تماسكًا واستقرارًا ويتمتع بالقدرة على مواجهة كل ما يعترض طريقه وزيادة أواصر الألفة والوفاق فيما بين أفراده، وهذا ما ينعكس على زيادة الإنتاجية الفردية والجماعية، ويعزز المواهب وينميها في المجتمع ويفجر الطاقات في كافة المجالات.
وفى تقديرى الشخصى فإن أهم ما يميز عيد الأضحى المبارك أنه يحرص فيه القادرون على ذبح الاضاحى وذلك بالسير على نهج الخليل ابراهيم حينما التزم بتنفيذ ما امره به المولى عز وحل فى المنام فيهم بالقيام بذبح ابنه ولكن تكون مكافأته الربانية من المولى عز وجل بأن يمنحه جائزة السماء والتى تتمثل فى فدائه بذبح عظيم ومن هنا اصبحت تلك الحالة الايمانية شديدة الاخلاص لأوامر الله سنة محمودة يسير عليها المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها فيذبحون الاضاحى مع ختام اداء فريضة الحج والوقوف على جبل عرفات .
اللهم بحق هذه الايام الطاهرة المباركة نور قلوبنا بنورك الكريم وارزقنا العفو والعافية ومتعنا بنعمة الأمن والامان والاستقرار يا ارحم الراحمين .