فى عيد الأضحى مثل باقى أعيادنا ومناسباتنا، أصبح العالم الافتراضى جزءا من حياتنا، ومع الوقت يتوغل هذا العالم ليسقط الحاجز بين الواقعى والافتراضى.. التهانى الجاهزة والصور المعلبة والتهانى المحفوظة، حلت مكان الزيارات واللقاءات، التى تتواصل أيضا لكنها تأخذ من العالم الافتراضى شكلا ومضمونا.
وأصبح العيد لا يكتمل مع المواطن الافتراضى، من دون أن ينشر صورا وفيديوهات له وهو يصلى العيد ويضحى، أو يحج ويعتمر، مثلما يحرص نفس الشخص على تسجيل لحظات فرحه واحتفالاته وجولاته وخروجاته والتعبير عن سعادته بـ«الشير» واللايف، انتظارا لتفاعلات الافتراضيين ممن يشاطرونه عالمه الخاص، وكأن الواحد لن يشعر بالسعادة مع نفسه وزملائه أو أهله، لكنه يشعر بها عندما ينشر ويقول إنه سعيد ومبسوط، ويقدم وثيقة من طعامه وشرابه.
وليس العيد فقط، بل كل مناسبة، فالأفراح لا تكون قبل أن تنشر الصور والفيديوهات، ولاتزال الأجيال الأكبر عمرا تتذكر زمنا قريبا بعيدا، كانت الحياة فيه تجرى بشكل طبيعى حيث الزيارات والصلوات، ولا صور ولا فيديوهات، اليوم صلاة العيد تنقل لايف على صفحات فيس بوك، والحجاج يحرص أغلبهم على نشر صور له خاشعا أو مصليا، ومن أجل التأكيد ينشر صورته بأسماء من يدعو لهم أمام الكعبة.
ولم يعد الأمر مدهشا، نحن فى زمن «السوشيال ميديا»، أن تتحول الشعائر الدينية إلى صور وفيديو لايف، ونتفرج على بعض أصدقائنا وهم يتفننون فى التقاط ونشر «سيلفى» فى صلاة العيد أو الحج بتفاصيله منذ السفر، والتلبية، والإحرام، الطواف والسعى، سيلفى الكعبة ومقام إبراهيم ووقفة عرفة وحتى سيلفى «رجم إبليس»، الذى يمارسه البعض بالصوت والصورة لدرجة سب إبليس بالأب والأم!..
وهذا النشاط الافتراضى يصنع نوعا من المساواة بين المواطن الافتراضى و النجوم والمشاهير الذين كانوا يحرصون على نشر صورهم فى الحج.
كالعادة وصل الأمر إلى انقسام فى فتاوى الشيوخ حول تحليل السيلفى فى الحج أو تحريمه، وحتى هذا يمثل اجتهادا فيما لم يرد فيه نص، وشراكة من السوشيال ميديا، للبشر والمفارقة أن هذه الفتاوى هى أيضا تنتشر وتتفاعل على مواقع التواصل نفسها التى تدور فيها الحياة الموازية للعالم الافتراضى.
كعادتنا خلال السنوات الأخيرة تتواصل حياتنا على مستويين، أحدهما طبيعى والآخر افتراضى، وأصبحت مواقع التواصل والحياة الافتراضية الموازية أمرا واقعا، تغيرت طريقتنا فى الحياة، ومع الوقت تصبح أدوات التواصل جزءا فاعلا من حياتنا بشكل مختلف، تتوغل فى حياتنا لتحل مكان الطبيعى، واللافت أن من يمارسون الحنين والتحسر على ماض واقعى، يفعلون ذلك على مواقع التواصل التى تجمع الكل فى مهرجان من الكلام، يتفاوت فيه مكان كل شخص ونصيبه. والأمر هنا لاعلاقة له بالحنين لماض لن يعود، لكنه أمر كاشف عن حجم تأثير السوشيال ميديا، والذى تصنع عالما افتراضيا موازيا، يحل مع الوقت مكان الطبيعى، ليصبح هو الأصل بينما الواقع يتنحى ليصبح افتراضيا موازيا.