العلاقات المصرية الأمريكية ولأسباب لم تعد خافية على أحد كانت إلى وقت قريب محل جدل كبير، خاصة ونحن نرى تلك العلاقات وهى تارة تصل إلى أروع صورها وتارة أخرى نفاجأ بحدوث ما يعكر الصفو، فنجدها فى حالة شديدة التوتر، وظل هذا الوضع "المقلوب" حتى تولى الرئيس دونالد ترامب السلطة، فتحولت تلك العلاقة إلى نوع مختلف تماماً عما كان من قبل، حيث اتسمت بالاحترام المتبادل فى ظل وضوح الرؤية من جانب الطرفين، خاصة أن الرئيس السيسى تربطه علاقة جيدة بالرئيس ترامب وقت أن كان ينافس فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. وهو فى تقديرى ما ترجمه الرئيس ترامب بشكل لافت للنظر فى بداية الاجتماع الثنائى الأخير الذى جمع بين الرئيسين على هامش قمة السبعة بفرنسا بكلماته الصادقة النابعة من القلب أمام حشد كبير من الإعلاميين وفضائيات العالم، ومن خلال عبارات متبادلة من الثناء والاحترام والتقدير حينما وصف الرئيس السيسى بكونه "رجل عظيم يقود بلاده وشعبه بحكمة نحو التنمية والرفاهية والازدهار بالرغم من التحديات الكبيرة التى تتعرض لها بلاده والمنطقة"، وهى كلمات أسعدتنى كمواطن مصرى أثناء متابعتى وقائعها على الهواء مباشرة، فهى وإن كانت موجهة إلى شخص الرئيس السيسى فهى فى ذات الوقت تكريم لنا كشعب بقدر أكبر من كونها ثناء على رئيسنا من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية التى تتصدر بقوتها الاقتصادية والعسكرية العالم وتدير شئونها مؤسسات قوية تستمد معلوماتها من مصادر دبلوماسية واستخباراتية واقتصادية متعددة تتمتع إلى حد كبير بالثقة فى دقتها ومصداقيتها. وهو ما يؤكد وبما لا يدع مجالا للشك، أن ترامب لا يتحدث بمشاعر عاطفية شخصية، إنما يتحرك من واقع معلومات مؤسسية موثقة .
من هنا، استقبلت كمواطن مصرى عبارات الرئيس ترامب بالفخر والتفاؤل لتوافق كلماته مع الواقع، وهو ما كنا نفتقد ونفتقر إليه ونعانى منه لسنوات طويلة سابقة مع الإدارة الأمريكية حينما كانت تستمد معلوماتها من مصادر مغرضة تنقل أهواءها التى تحقق مصالحها الذاتية الضيقة على حساب صالح الوطن وعلى ضوئها كانت تخطط الإدارات الأمريكية سياساتها ومواقفها نحو مصر !!!، ولعل أبرز شاهد على ذلك هو ما تعرضت له مصر خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكى السابق أوباما من تحريض وتمويل لمؤسسات المجتمع المدنى قبيل وبعد ثورة 25 يناير، استناداً إلى معلومات مغلوطة ومخالفة لطبيعة وموقف الشارع المصرى الرافض للعنف والقتل والدم كوسيلة للتغيير.
أعتقد أن ترامب أدرك حقيقة الفجوة بين مصداقية المعلومات والسياسات الأمريكية نحو مصر خلال لقائه الأول مع الرئيس السيسى أثناء الحملة الانتخابية، وهو ما دفعه عقب انتخابه إلى فضح منافسته على مقعد الرئاسة هيلارى كلينتون التى لعبت دورا كبيرا من موقعها كوزيرة للخارجية فى تضليل أوباما وتحريضه، مستندة إلى معلومات كان مصدرها تنظيم الإخوان الدولى والمخابرات التركية والقطرية وغيرها من الجهات المعادية والكارهة لاستقرار مصر ونهضتها!!، لقد عاصرت بنفسى تلك الفجوة المعلوماتية عندما يصادفنى بين الحين والآخر دبلوماسى أمريكى ويبادرنى بتساؤلات عن الوضع فى سيناء، فأكشف له مخالفتها تماما لحقيقة الواقع الذى يمكن استقراءه من عدة مؤشرات واضحة ساطعة كان يمكنه الاجتهاد قليلا فى تحليل مغزاها قبل أن يضلل حكومته بمعلومات مغلوطة !! .
من هنا، تفاءلت بحفاوة الرئيس ترامب وعباراته الصادقة تجاه الرئيس السيسى التى تكررت فى مناسبات متعددة سابقة عن ثقته فى القيادة السياسية بمصر وجهودها الحقيقية فى التنمية الشاملة باعتبارها إقرارا وإعلانا لنهاية عصر فجوة "المصداقية المعلوماتية" فى العلاقات المصرية الامريكية.
ويهمنى أن أجتهد فى الإجابة عن تساؤلات البعض عن سر الثقة المتبادلة بين ترامب والسيسى والتى وصفها البعض بما نطلق عليه أحيانا توافق كيمياء مشتركة بالرغم من الاختلاف الشاسع بينهما فى التركيبة الشخصية والخبرات المهنية والسياسية والاقتصادية، فما هو مصدر التوافق والمحبة؟؟
أعتقد أنه بالرغم من كون الرئيس ترامب رجل أعمال بالدرجة الأولى بل ينفى عن نفسه دائما امتهانه السياسة كحرفة سيئة السمعة -على حد وصفه- إلا أنه يميل بطبعه إلى "الانضباط العسكرى" ومؤشره الواضح أنه أول رئيس أمريكى يشكل حوالى نصف فريق مساعديه من عسكريين سابقين لهم خبرات فى الإدارة بمذاقها العسكرى الأكثر التزاما وانضباطا.
أعتقد أيضا، أن الرئيس ترامب بالرغم من حدة وسخونة تصريحاته وانتقاداته الإلكترونية اللاذعة إلا أنه التزم خلالها بأصول آداب التخاطب فى الرد عليها ولا يتسع المقال لسرد مواقف إساءات شخصية عديدة تعرض لها ترامب وقابلها بشتائم وألفاظ خارجه كما هو شائع فى كثير الأحيان بالعلاقات السياسية الدولية وأحدثها وأطرفها فاصل "الردح" الذى مارسه الرئيس البرازيلى فى حق مضيفه الرئيس الفرنسى ماكرون نتيجة مطالبة الأخير قمة السبع بإعلان الأسباب الحقيقية لحريق غابات الأمازون، وهو ما اعتبره الرئيس البرازيلى تدخلا فى الشأن الداخلى لبلاده !! بالرغم أن تلك الغابات هى مصدر 20 % من الأكسجين الوارد لرئة العالم !! فقام رئيس البرازيل بسب ماكرون ووصفه بالغباء والغيرة منه لكون زوجته أكثر جمالا وشبابا من زوجته العجوز !!!!
رئيسنا السيسى التزم بآداب وأصول التخاطب فى كل علاقات مصر الدولية وردود أفعاله على خصومها وأعدائها، فلم يرد إساءة بنظيرها وهو ما رصدته أجهزة إعلامية ودوائر سياسية فى تقاريرها، ما منحه تقديرا شخصيا خاصا وتوافقا "كيمياء" بينه والكثير من زعماء العالم، ومنهم ترامب .فاستحق احترام تقدير كبير من قادة العالم الذين يترجمون واحداً تلو الآخر فى مناسبات عديدة تقديرهم الكبير لما يحدث على أرض مصر من تنمية حقيقة تحت قيادة زعيم وقائد يسعى لأن يجعل بلده فى مصاف الدول الكبرى.