(1)
فى يوليو 2011 نشر أحد قادة تيار الفكر والثقافة والثورة وقتها، مقالا صحفيا بعدة مواقع إخبارية بعنوان "المتهم مدان حتى تثبت إدانته"، أتذكر أنى قرأت المقال وقتها، وكنت أتصور من عنوانه أنه سيفند كثير من الأوضاع الخاطئة وانقلاب الموازين، واختلال الثوابت فى كل شىء، لكنى فوجئت أن صاحب المقال بالفعل يريد أن يقول أن الوقت قد جاء لتطبيق قاعدة جديدة أكثر قدرة على التعامل مع الواقع الاستثنائى فى مصر بتلك الفترة، وأنه يجب أن يعلم الجميع أن "المتهم يجب أن يكونا مدانا حتى تثبت إدانته"، قرأت المقال واعتبرت صاحبه مريضا بـ"الخرف" إلى أن يرد هو –وفق مبدأه- بشهادة صحية تثبت أن قواه العقلية سليمة.
(2)
الجميع ينتظر منك أن ترد وتدافع عن كل ما يقال عنك، فالتهمة أصبحت حقيقة طالما قيلت، والدفاع أصبح ضرورة طالما طُلب منك، والذنب مرتكبٌ حتى تأتى بأية براءتك، تلك قواعد الحقوق والقانون على مواقع التواصل الاجتماعى.
فلان يتهمك بكذا، لماذا لاترد، الصمت إدانة، وإلقاء التهمة فى حد ذاته دليلٌ عليها، والبيّنة لم تعد على من ادعى، بل على من يدّعى عليه، اقبل أو لا تقبل، تلك قواعد الكتابة من خلف الشاشة ولوحة المفاتيح.
(3)
أرسل لى صديق أحد المنشورات يقول صاحبه أن راتب المسئول الفلانى يصل إلى مئات الآلاف فى الشهر، فقلت لصديقى وماذا تريد؟، فطلب منى الرد على المنشور، فقلت له ولماذا أرد، قال لى لتثبت لى نزاهة ذلك المسئول وتكشف الحقيقة، فقلت له الحقيقة كالإنجاب، لا تُرجى بالاستمناء.
(4)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يُعطى الناس بدعواهم، لادّعى رجالٌ أموال قوم ودماءهم، لكن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر".
حتى الأنبياء أنفسهم، لم يتركهم الله لدعوة أقوامهم دون بينة ومعجزات، ولم يأمرهم بأن يقولوا لأقوامهم أنهم على باطل، دون سند وحجة، بل أرسل معهم ما يثبت دعواهم ودعوتهم، ويؤكد صدقهم، فعل الله هذا والتزم بالبيّنة، فعل هذا وهو الله، وهم الأنبياء، وأولئك كفار.