هناك فارق جوهرى بين التعليم والتدريب، الأول يستهدف المعلومة، أما التدريب فيستهدف بالدرجة الأولى توظيف المعلومة، وفى مصر ركزنا لعقود طويلة على التعليم، وأغلبنا يعتقد أنه بحصوله على البكالوريوس أو الليسانس يكون أدى ما عليه، ويغلق باب التعليم والتدريب إلى أن يخرج إلى سن المعاش.
إذا كان مهندسا، فعلمه يقف عند ما حصل عليه فى الجامعة، ولا يواكب الجديد، وإذا كان طبيبا وقفت خبراته وتقزمت عند العلم الذى تحصل عليه سواء عند الماجستير أو حتى الماجستير أو الدكتوراة، دون أن يدرك أنه يحتاج إلى تدريب دائم حتى لو كان مديرا فى مكانه.
لسنوات أيضا رصدت الدولة ملايين الجنيهات فى أغلب الوزارات للبرامج التدريبية، وأنشأت الكثير من الكيانات البراقة، والمبانى الفخمة لتدريب القادة، بعضها يتبع كيانات جامعية، وبعضها يتبع وزارات، وبعضها الآخر مستقل، أو يتبع جهات دولية ومجتمع مدنى، ولكى نحكم على نجاح أو فشل أى شىء، فعلينا أن ننظر إلى المردود أو النتيجة، فهل نحن راضون عن مخرجات هذه المنظومة للتدريب؟ الإجابة التى قد لا نختلف عليها هى بالطبع: لا ، ولكن طبعا بعد استبعاد بعض الحالات الاستثنائية الناجحة، التى تخضع لمعايير دولية صارمة، ولا تحصل على شهادة اجتيازها إلا من جهة اعتمادها من الخارج، أما أغلب ما يقدم من تدريب فى الوزرات، وفى دواوين العمل فهو فى النهاية لا يخرج عن كونه، إجازة مقتعة، ومع أكل خفيف، ومشروبات ساخنة وعصير ثم صورة جماعية، وشهادة لا تغنى ولا تسمن من جوع، وإذا نفعت فقد تفيد أحيانا فى الترقية، أما مردودها على وتيرة ودقة العمل، فلا يكاد يكون هناك تأثير يذكر.
إذن ماذا يمكن أن تقدم الأكاديمية الوطنية للتدريب التى أنشئت بقرار جمهورى فى 2017، ويفرق عن التجارب السابقة؟ الإجابة على هذا السؤال وغيره كانت محور لقاء لعدد من رؤساء تحرير الصحف، وشرفت أن أكون أحدهم، مع الدكتورة رشا راغب، مدير الأكاديمية الوطنية للتدريب، وهناك رأيت مصر المستقبل، من خلال رؤية تستشرف هذا المستقبل، وتراه رأى العين، وتضىء لنا الطريق لما يجب أن نتسلح به من احتياجات حتى نكون فاعلين فى صنعه، مشاركين، فلن تقف مصر على قدميها وتعود للمنافسة بغير رؤية استراتيجية قومية للتدريب، فى شتى المجالات، بداية من دعاة الأزهر الشريف، وانتهاء بالموظف الحكومىالذى عاش مغلوبا على أمره، يستحقر شأن وظيفته، فيرد الصاع صاعين فى وجه متلقى الخدمة، بداية من التكشيرة إلى تعطيل "المراكب السايرة"، الخروج من هذه الدائرة الجهنمية تحتاج إلى رؤية متكاملة، عبر مراحل.
إنشاء الأكاديمية جاء ترجمة لتوصيات أحد مؤتمرات الشباب التى أصبحت أكبر مصنع لصناعة الأفكار والأمل واستشراف المستقبل بحضور رأس الدولة، ويعتبر البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة، درة التاج فى عمل هذه الأكاديمية، التى سعت إلى أن تكون بصمة مصرية خالصة، متناغمة مع التجارب الدولية، وقد تخرج فى هذا البرنامج 1500 شاب وفتاة، وعلى غراره تم إطلاق البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب الأفريقى، وهو برنامج لو تعلمون عظيم المردود فى شقه السياسى، ويعيد مصر إلى قلب افريقيا، قولا وفعلا، وسوف تظهر آثار هذا البرنامج قريبا عندما يتولى هؤلاء الشباب مواقع قياديه فى بلادهم، وهناك البرنامج الرئاسى لتأهيل الإداريين للقيادة، بهدف اكساب هؤلاء الموظفين مهارات تجعلهم مؤهلين لتولى القيادة مستقبلا، إضافة إلى "بنك للأفكار" وهوفكرةبحثيةتقومعلىلقاءاتبينالخريجينوأحدالخبراء"وطنيأوأجنبي" فيمجالات عدة بهدفدراسةالتحدياتووضعحلولواقعيةوعمليةوالخروجبورقةسياساتوآلياتتنفيذوعرضهاعلىمتخذيالقرار،ممايعظمالاستفادةمنالخبراتوالمهاراتالتياكتسبهاالخريجونمنالدراسةبالبرنامج.
وتتكونكلغرفةمن 20 باحثاويتولىالتنسيقالإداريلكلغرفةأحدأعضاءإدارةالبحوثوالاستشاراتبالأكاديميةالوطنيةللتدريب.
كما قال صديقى الكاتب الصحفى خالد صلاح رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير انفراد،إننى أرى نهر من الأحلام التى تغازل الواقع فى عرض الدكتورة رشا، الطريق لازال فى بدايته، والتحديات أمامه كثيرة، ولكن شخص الرئيس الذى يعد على رأس هذا الكيان الواعد يعطى آمالا عريضة بتغيير خريطة التدريب فى مصر فى غضون الأعوام القليلة القادمة خاصة بعد حصول الأكاديمية على شهادة الاعتماد الدولية.