تحولات عدة شهدتها حياة رئيس زيمبابوى السابق روبرت موجابى، ربما لم تنته بوفاته، حيث تباينت المواقف تجاهه، بدأت باعتباره مناضلا شعبيا، جاهد ضد الاستعمار، مما أدى به إلى السجون لسنوات طويلة، بعد دفاعه المستميت عن قادة المعارضة، والذين اعتقلتهم السلطات الموالية للاحتلال فى هرارى، مرورا بتحوله إلى قمة هرم السلطة فى بلاده، لينعته معارضوه بالقمعى، الذى تتوالى ضده الاحتجاجات، حتى إجباره على التنحى عن السلطة، فى عام 2017، ليبدأ الصراع فى مرحلة قصيرة بينه وبين قيادات حزبه، والذين تسابقوا بعد وفاته، فى وقت مبكر من يوم الجمعة الماضى، فى نعيه، واصفين إياه بالأب المؤسس.
ولعل التباين الكبير فى تقييم موجابى، خاصة فى العامين الأخيرين من حياته، وتحديدا منذ إجباره على ترك السلطة فى 2017، وحالة الحداد التى تشهدها هرارى منذ وفاته، يثير العديد من التساؤلات حول الكيفية التى يمكننا بها رؤية شخصية الرئيس التاريخى المثير للجدل، فى تلك الدولة الإفريقية التى ربما عانت من الفقر وسوء الأحوال الاقتصادية، لعقود طويلة من الزمن، كما أنها تدفع كذلك نحو رؤية جديدة سواء للدوافع المتباينة وراء تلك الانتفاضة التى أطاحت به قبل عامين.
يبدو أن الفترة الطويلة التى قضاها موجابى على كرسى السلطة فى هرارى، كانت أحد أهم الأسباب وراء حالة من الترهل فى قيادة البلاد، مما أدى إلى ظهور شخصيات أخرى، كانت تؤدى دورا فاعلا فى حكم البلاد لخدمة مصالحهم الشخصية، بعيدا عن مصالح البلاد، وعلى رأسهم زوجته جريس، والتى سعى إلى وضعها فى منصب نائب الرئيس، وهو الأمر الذى ساهم بصورة كبيرة فى تأجيج الغضب الشعبى فى الأيام الأخيرة، خاصة مع استمرار تردى الأوضاع الاقتصادية، واتساع دائرة الفقر فى البلاد.
وبالتالى تصبح الأوضاع الاقتصادية بمثابة المبرر الرئيسى لتلك الانتفاضة الشعبية، إلا أن الأمور اتسعت لتتحول حالة النقد إلى حملة تشويه، سعى خلالها بعض النشطاء المدعومين من القوى الاستعمارية القديمة، إلى طمس التاريخ المشرف للرجل، والذى يعد أحد أعمدة التحرر فى إفريقيا، حيث أنهم استغلوا خروج الأمور عن سيطرته فى سنوات حكمه الأخيرة بسبب تجاوزه الـ90 عاما، والدور الواسع الذى لعبته زوجته، والتى كانت تسعى للوصول إلى منصب نائب الرئيس، مما دفعه إلى الإطاحة بنائبه إمرسون منانجاجوا، والذى تسلم شئون البلاد بعد الإطاحة بموجابى.
وهنا تتضح مخططات الغرب للإطاحة بخصومهم، عبر خطة تشمل مسارات متوازية، أهمها تضييق الخناق، وتبنى سياسات الحصار، بحيث يساهم هذا النهج فى تدهور الأوضاع الاقتصادية، من جانب، بالإضافة إلى دعم، وربما تدريب النشطاء، لقيادة حراك ضد السلطة الحاكمة، وهو ما يحمل فى طياته أهدافا رمزية أهمها الانتقام من مناوئيهم التاريخيين، الذين بقوا بمثابة شوكة فى حلقهم لسنوات.
ولعل التصريحات التى أدلى بها القيادات السياسية فى زيمبابوى، وعلى رأسهم الرئيس إمرسون منانجاجوا، والذى كان نفاه موجابى يوما ما بسبب طموحات زوجته فى الوصول إلى السلطة، بعد وفاته، دليلا دامغا على نجاح القيادات الحالية فى زيمبابوى فى تفادى الفخ الذى سعت القوى الدولية لنصبه لهم، بتأجيج الخلافات الشخصية، وتوريطهم فى حملة التشويه الذى تستهدف الزعيم التاريخى للبلاد، حيث يبقى نعى رئيس زيمبابوى الحالى لسلفه، حالة الحداد التى اعلنتها البلاد نجاحا مهما له فى الحفاظ على التاريخ المشرف لبلاده وكفاح رموزها من أجل التحرر من الاستعمار، رغم بعض الإخفاقات التى سقط بها أثناء حكمه، ليصبح التقييم بين المواطنين أكثر موضوعية.