جاءت هذه التحركات فى سياق مساندة شعبية ورسمية
على هامش زيارة العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر، جاء الحديث عن تطوعه للدفاع عن مصر ضد العدوان الثلاثى (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) الذى بدأ غاراته يوم 29 أكتوبر 1956، بسبب قرار جمال عبدالناصر التاريخى بتأميم قناة السويس.
هناك من لم يعجبه التذكير بهذا الموقف مدفوعا برؤية سياسية مسبقة تختلف مع توجهات المملكة، غير أن حقائق التاريخ لا يمكن القفز عليها، وفى هذا المقام يتحدث كتاب «ثورة يوليو والمشرق العربى» للدكتور عبدالله فوزى الجناينى عن موقف المملكة وموقف الأمراء أثناء هذا العدوان الغاشم على مصر، فحسب تقرير سرى من السفارة المصرية بـ«جدة» إلى وزارة الخارجية المصرية، فإن الأمير عبدالله الفيصل، وزير الداخلية، افتتح حفلاً بفندق «قصر الكندرة» فى جدة، لجمع التبرعات لصالح مصر، وكانت جموع غفيرة من الشخصيات البارزة فى مقدمة المشاركين، وأظهر الأمير أثناء الحفل الذى أقيم يوم 28 نوفمبر 1956 شعورًا فياضًا نحو مصر، وكان إذا تقدم أحد الحاضرين بمبلغ ما أمره برفع قيمة تبرعه، وضرب التقرير دليلاً على ذلك بالقول إن أحد الأشخاص تبرع بمائة جنيه، فطلب الأمير رفعها إلى ألف، فقبل المتبرع بذلك، وتكررت هذه العملية مع عدد كبير من المتبرعين، وحدث فى أثناء الحفل أن تبرعت شركة أرامكو الأمريكية بمبلغ ألف جنيه مصرى، فاحتد الأمير على مندوب الشركة فى سخرية قائلا: «أشكر لشركة أرامكو الأمريكية تبرعها السخى»، وأعلن رد التبرع إليها، وكان الداعى لذلك أنه كان قد طلب من الشركة المذكورة أن تتبرع بمليون دولار أمريكى، وكان المتفق عليه بينهما أن تتقدم الشركة بهذا المبلغ فى هذا الحفل، ولكن الأمير عبدالله الفيصل فوجئ بما حدث مما أثار غضبه ودفعه إلى رد التبرع للشركة.
جاءت هذه التحركات فى سياق مساندة شعبية ورسمية هائلة من «المملكة» لمصر ضد العدوان الثلاثى، بلغت ذروتها يوم 6 نوفمبر بقرار الحكومة السعودية قطع علاقاتها السياسية مع حكومتى فرنسا وإنجلترا، وأبلغت ذلك رسميًّا لممثلى الدولتين لديها فى اليوم ذاته، كما أصدرت أوامرها للموانى السعودية بمنع شحن وتموين جميع السفن الإنجليزية والفرنسية، وأيضًا تتجه بحمولتها إلى هذين البلدين من جميع منتجات البترول السعودى، وفى قلب هذا المشهد العام عبر موقف الأمراء عن حالة خاصة نحو مصر فى هذه الأزمة العاصفة، التى أعادت تشكيل الخريطة السياسية فى المنطقة والعالم فى النصف الثانى من القرن العشرين.
ووفقًا للتقرير السرى المرسل من السفارة المصرية بجدة إلى وزارة الخارجية، فإن لجنة خيرية تشكلت فى جدة لجمع التبرعات لضحايا العدوان على مصر وإعادة إعمار مدينة بورسعيد، أطلق عليها «لجنة أصدقاء مصر»، تولى رئاستها الأمير عبدالله الفيصل، وضمت إلى جانبه عددًا من وجهاء المدينة، وجاء أول تبرع لها منه هو وحرمه، وبلغ خمسين ألف ريال، وقاد وزير الداخلية حملة اللجنة لجمع التبرعات عبر وسائل عديدة مثل إقامة المباريات والحفلات، ففى يوم 23 نوفمبر نظمت تحت رعايته مباراة رياضية لكرة القدم بين فريقين سعوديين رصد دخلها كاملا لذلك الغرض.
بلغ حماس «الفيصل» درجة حمله هو ومدير الأمن العام والشرطة بـ«جدة» صندوقًا يطوفان به فى أثناء المباراة لجمع التبرعات، فحدث إقبال كبير من الجمهور على التبرعات، لدرجة أن لاعبى الفريقين أسهموا فى ذلك، وفى نفس الوقت أرسل «الفيصل» إلى أمراء المناطق فى كل أنحاء المملكة يدعوهم بوصفه وزيرا للداخلية ورئيسًا لـ«لجنة أصدقاء مصر» إلى القيام بحملة واسعة لجمع أكبر مبلغ لمساعدة أهالى بورسعيد، وأكد أنه سوف يسير بنفسه فى أسواق جدة ومكة لجمع تبرعات عينية تقام بها سوق خيرية يكون ريعها لصالح مصر، كما خصصت اللجنة حسابا جاريا فى بنك مصر بجدة لقبول المساعدات الخاصة بأسر شهداء بورسعيد.