تخوض مصر معارك عديدة على جبهات متفرقة، فهناك معركة الإرهاب التى نحقق فى الانتصارات بدماء الشهداء، وهناك معركة التنمية التى تبنى مصر فيها حضارتها ومستقبلها حتى تكون دولة قوية حديثة تأخذ مكانتها اللائقة بها بين كافة الدول والشعوب، وهناك معركة الوعى والفكر وبناء الشخصية المصرية الواعية المدركة للتحديات الكبيرة التى تمر بها مصر.
ومن أهم مرتكزات معركة الوعى التى نخوضها هذه الأيام الاهتمام بتربية وتأهيل النشء فى الأسر والمدارس على الحذر الشديد من تصديق كل ما يُدس أو يُلقى لهم من أخبار وأفكار، فنربى فيهم العقلية الفارقة الناقدة ونعلمهم أن القرآن الكريم حذر من تصديق أى قول بلا دليل أو بينة فقال (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) وأن النبى صلى الله عليه وسلم عد شهادة الزورِ فِى أكبرِ الكبائِرِ. وأنه ﷺ قال لِرجلٍ: ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: على مِثلِها فاشهد أو دع.
وأنه صلى الله عليه وسلم عد سماع الكذب وتصديقه وترويجه كالكذب تماما بتمام.. إلى غير ذلك من النصوص التى تحصن الإنسان والمجتمع من الانصياع خلف الأكاذيب والشائعات.
وهذه النصوص هى مبادئ أو قوانين إنسانية عامة يعمل بها المسلم وغير المسلم لأنها تحمى المجتمع بكل أطيافه بغض النظر عن دينه، ومن الأمور المهمة فى قضية تكوين الوعى وتشكيل العقلية النقدية المنهجية، ترسيخ مبدأ الثقة بالنفس والثقة بالقيادة، وعدم الانجرار خلف كل ناعق، فمروجو الشائعات وصانعو الفتنة يعتمدون بشكل كبير على وجود شخصيات ضعيفة مهتزة وعقليات هشة تنساق بعاطفية وبلا وعى خلف أى دعوى تسثار فيها العواطف بافتعال الأزمات والمآسى، فحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نكون إمعة، أى نسير خلف كل ناعق، وعلمنا أن نوطن أنفسنا على الحق وأن نثبت عليه، هذه الأمور: دراسة الأفكار المنحرفة، وتربية النشء على التثبت والحذر وعدم الانصياع خلف كل ناعق، تحتاج منا إلى تعاون وتكاتف من الأسرة إلى المدرسة والجامعة والإعلام والمساجد والكنائس وغيرها من مؤسسات المجتمع المسؤولة بشكل مباشر عن قضية تكوين الوعى وبناء الشخصة وتحصينها من الأخطار والفتن.
الشائعات، كما نعلم، تمثل إحدى أدوات حروب الجيل الرابع التى تضم أطرافًا متنوعة من دول وكيانات عابرة للحدود القومية والشبكات والجماعات والأفراد، حيث يكون الأفراد هم أصحابَ الدَّور الرئيسى فى هذا المشهد التخريبى الذى يهدف إلى تنفيذ أجندات خارجية وصولًا لأهداف سياسية عبر تناقل الأفراد للشائعات عن طريق أحاديثهم فى التواصل الاجتماعى أو مجالسهم الخاصة.
لا شك أن عدم الانسياق وراء الشائعات والأراجيف من الأقوال والأفعال يقوى مناعة الدولة ضد الإرهاب والشباب ضد الوقوع فريسة لهذه المجموعات الإرهابية التى تسعى لهدم أركان الدولة وإحداث فتنة بين أبناء الوطن الواحد.
يخبرنا التاريخ ووقائعه أيضاً أن الفِرقَ المنحرفة فى القديم والحديث تعتمد فى وجودها واستمرارها على لبس ثوب المظلومية وإجادة صناعتها.. والزعم بتعرضها للاضطهاد والمطاردة والتعذيب والقتل والعدوان، وذلك لكسب التعاطف وجذب الاتباع والتغطية على جرائمها.
أكبر مثال على ذلك جماعة الإخوان الإرهابية ومنهجها.. حيث أجادت فن النفاق والتلون والخداع منذ عهد مؤسسها حسن البنا الذى أجاز لجماعته المتاجرة بالأعراض والأرواح والدماء من أجل مصلحة الجماعية وأغراضها السياسية.. ولم تتوقف هذه الجماعة الضالة وأفرادها فى وقت من الأوقات عن تسويق ونشر فكرة أنها تتعرض للظلم والاضطهاد والقتل والسجن من قبل الأنظمة والحكومات.. ويروجون مزاعمهم الكاذبة بأنهم يحملون قضية الدين والدعوى والدفاع عن الإسلام.
ولو تتبعنا التاريخ الأسود لجماعة الإخوان الإرهابية وقمنا بوزن منهجهم وأعمالهم بميزان الشرع والعقل.. ونظرنا إلى حقيقة الإسلام التى تزعم هذه الجماعة الانتساب إليه وحمل دعوته، لتبين لنا بما لا يدع مجالًا للشك أن الإخوان عبر مسيرتهم من أكبر المجرمين الظالمين المعتدين المتجاوزين لحدود الله بحكم الشرع والعقل بل وبحكم الإنسانية.. ويصدق عليهم قول الله عز وجل:﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا.. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾.
أخيراً ثقتى أن العقل الجمعى للإنسان المصرى يعلم طبيعة هذه المعركة، ويتحمل مسؤوليته تجاه وطنه ولا يلتفت لما يروج من الأكاذيب من جهات وجماعات إرهابية لا تريد بنا وبوطننا إلا الشر، فعلينا أن نلتف حول وطننا وجيشنا وأن نحمى دولتنا وأن نفديها بأرواحنا ودمائنا.