المؤكد أن كل هذه المخاوف مطروحة أمام صانع القرار
بمغادرة السفير الإيطالى للقاهرة، أمس الأول الأحد، على خلفية قضية مقتل الشاب الإيطالى ريجينى، ستكون مصر أمام تحدٍّ ليس من الوضوح أمام الرأى العام كيفية مواجهته، وإذا تتبعنا تصريحات المسؤولين الإيطاليين قبل زيارة الوفد القضائى المصرى وبعده أيضًا فلن يكون أمامنا إلا أن نمسك قلوبنا بأيدينا، خوفًا من أن تصل الأوضاع إلى مرحلة من السوء ندفع فيها ثمنًا غاليًا فى وقت نعانى فيه من تحديات اقتصادية هائلة.
فى هذه القضية، وأمام لغة الأرقام بين البلدين، هناك الكثير الذى نخاف عليه، فإيطاليا هى الشريك التجارى الأوروبى الأول والثانى على مستوى العالم بالنسبة لمصر، وحجم التبادل التجارى يقدر بحوالى 6 مليارات دولار، وهى خامس دولة أوروبية من حيث حجم الاستثمارات فى مصر، وفى تفاصيل هذه الأرقام سنجد أن هناك قدرا من التوازن النسبى، فحجم الصادرات والواردات متقارب بين البلدين، وهو ما يعنى أننا أمام بلد تجمعنا علاقة ليس فيها شبهة تبعية اقتصادية، كما أن السياحة الإيطالية لمصر تعد من المغذيات الرئيسية والكبرى لقطاع السياحة فى مصر .
هذا الاستعراض السريع لحجم العلاقات المصرية الإيطالية من الناحية الاقتصادية تكتمل أهميته حين يتم وضعه فى العلاقات السياسية التى تربط البلدين، فعلى الصعيد الإقليمى لا يمكن إغفال إيطاليا ودروها حين يأتى الكلام عن الأزمة فى ليبيا وكيفية الوصول إلى حل لها، بما ينعكس ذلك من آثار على الأمن القومى المصرى، وكان هناك نشاط ملحوظ فى الزيارات المتبادلة للمسؤولين فى البلدين قبل قضية مقتل ريجينى لبحث هذه المسألة.
هكذا هى الأوضاع التى لا أحد يعرف إلى أى مدى ستتأثر بتطورات قضية مقتل ريجينى، فلو وضعنا كلمة وزير الخارجية الإيطالى: «لن نقبل أن تداس كرامة إيطاليا تحت الأقدام» فى خانة التقييم بما ستعنى فى المستقبل، سنكون أمام ظرف صعب سيأتى، وسنكون أمام تراجعات متوقعة ستنعكس حتمًا على أوضاعنا الاقتصادية، وقد تفتح الباب لتأثيرات أوروبية مماثلة.
المؤكد أن كل هذه المخاوف مطروحة أمام صانع القرار، بعد أن فشلت زيارة الوفد القضائى لإيطاليا فى تحقيق أهدافها، وبالطبع فإن البحث عن أساليب لمواجهة «الغضب الإيطالى» هو الهم الأول حتى لا يتم التضحية بعلاقات شهدت نموًّا فى الفترات الماضية، وسيكون من الخطر الكبير الاعتماد على أسلوب «مبادلة الهجوم بهجوم» وهذا ما لمسته من بعض نواب البرلمان فى الأيام الماضية، فهؤلاء يتعاملون مع القضية خاصة بعد فشل زيارة الوفد القضائى المصرى لروما فى تحقيق النتائج المأمولة، وفقًا لوجهة النظر التى تعكس رؤية الأجهزة التى أثبت فشلها فى التعامل مع القضية،وفى هذا الأمر سنجد النائب يؤدى مهمة معاكسة تماما للمهمة التى انتخبه الناخبون من أجلها .
وفى هذا المسار سنجد إصرار بعض الإعلاميين فى القنوات الفضائية على اتباع نهج مدمر، وذلك بالانغماس بترديد سيناريوهات خائبة مثل تلك التى رددها الدكتور رفعت السعيد، رئيس المجلس الاستشارى لحزب التجمع، قبل أيام، حيث قال إن «ريجينى» جاسوس، وإن الإخوان هم الذين نفذوا جريمة قتله، وأعيد وأكرر القول بأن هذا نوع من التخاريف التى تصورت فى البداية أنها من إنتاج «السعيد» فقط، لكنى فوجئت بأن آخرين يرددونها أيضًا، مما يعطى دلالة عميقة على أنه بينما يعرف الجانب الإيطالى ماذا يريد، لا نعرف نحن ماذا نفعل، وهكذا تصبح كل مكاسب العلاقة المصرية الإيطالية فى مهب الريح، لأننا لا نعرف ماذا نريد.