بدأت كل من الصين وروسيا اتخاذ إجراءات اقتصادية قوية لمواجهة الإجراءات الأمريكية أحادية الجانب، فيما يتعلق بفرض عقوبات اقتصادية، ورسوم على واردات البلدين إلى الولايات المتحدة.
أهم إجراءات الصين وروسيا الأخيرة هى إعلانهما استخدام عملة البلدين المحلية في المعاملات التجارية المشتركة بهدف تعزيز استقرار الخدمات البنكية لعمليات الاستيراد والتصدير في ظروف بقاء المخاطر في الأسواق الدولية، حسب ما أكد بيان البلدين.
وتعتبر هذه ضربة قوية لهيمنة الدولار على التعاملات التجارية الدولية منذ عشرات السنوات، وهو ما كانت ومازالت تستغله الإدارة الأمريكية في حروبها التجارية وعقوباتها الاقتصادية ضد الدول المختلفة، وكان يعطيها ميزة كبيرة في حروبها الاقتصادية، حيث كانت عملات الدول المستهدفة دائما ما تنهار أمام الدولار في ظل أي عقوبات أمريكية، وهو ما حدث في بلدان كثيرة آخرها فينزويلا وتركيا وإيران.
لكن ذلك يحدث ببطى مع الدول ذات الاقتصاد القوى والكبير مثل الصين وروسيا، كما أن قوة اقتصادها تسمح لهمها باتخاذ إجراءات مضادة قوية مثل ما فعلته الصين وروسيا بشأن التعامل بالعملات المحلية، وهو ما سيزيد من مقاومة عملتهما المالية لهيمنة الدولار ويسهل التعاملات بينهما، في ظل سيطرة الدولار على النظام المالي العالمي.
وتسعى الصين أيضا من خلال هذا الإجراء إلى توجيه رسالة مباشرة لأمريكا بأنها قادرة على الدخول فى حرب تجارية مقابل أمريكا، مستغلة فى ذلك حجم اقتصادها الكبير عالميا، وانضمام عملتها المحلية اليوان، إلى سلة العملات المعتمدة عالميا، من قبل المؤسسات الدولية، بالإضافة إلى أن الصين هى أكبر مستورد للنفط فى العالم بنحو 8.4 مليون برميل يوميا في 2017، مقابل 7.9 مليون برميل يوميا لأمريكا.
وإذا كان كل من الصين وأمريكا تسعى لهيمنة عملتها واقتصادها على العالم، فأين يجب أن تكون مصر وسط هؤلاء الكبار، وكيف تحمى مصالحها، وإلى أى فريق يجب أن تنحاز؟
أولا، على مصر أن تحرص وبقوة على تعزيز علاقاتها مع الصين فى الفترة المقبلة، لعدة أهداف، أولا أن الصين هي أكبر مُصدِر لمصر، ولذلك فإن جانبا كبيرا من الدولار فى البنوك المصرية يذهب إلى تمويل عمليات الاستيراد من الصين، مما كان يضغط على الاحتياطى النقدى بشكل كبير ويرفع من سعر الدولار مقابل الجنيه، إلا أنه لو قام المستوردون بالشراء من الصين باليوان، فسيتراجع الطلب على الدولار بشكل كبير بالبنوك وهو ما سيعزز من قيمة الجنيه المصرى، خصوصا وأن هناك اتفاق مصرى صينى بمبادلة العملة في البلدين، وهو ما سيسمح للمستمرين المصريين بالحصول على اليوان بسهولة أكبر من الدولار.
ثانيا، يتوقع الكثير من الخبراء الماليين منذ فترة حدوث تقلبات عنيفة فى سعر الدولار عالميا بسبب إجراءات الرئيس الأمريكى والمشاكل السياسية الداخلية في أمريكا، وهو ما يستدعى من الحكومة المصرية الاستعداد لمواجهة هذه التقلبات بتنويع مصادر العملات بشكل متوازن فى الاحتياطى النقدى حتى لا يتأثر بشكل كبير فى حالة حدوث مثل هذه التقلبات.
ثالثا، رغم كل ما سبق يجب أن لا تتسرع الحكومة فى التوجه الحاد نحو الشرق، وخلق نوع من التوتر مع أمريكا، ويجب أن تحرص على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف.
يذكر أن الدولار الأميركي يهيمن على تجارة النفط العالمية، حيث يسعر خام "غرب تكساس"، سعر الأساس في أميركا الشمالية بالدولار، كما هو الحال بالنسبة لسعر خام القياس "برنت" في أوروبا.