هل تعرف لماذا أفلست شركة توماس كوك الإنجليزية، التى كانت أشهر وأكبر شركات السياحة فى العالم ؟! هل تعتقد أن الأمر مرتبط فقط بتراكم الديون، واحتياج الشركة لـ200 مليون جنيه استرلينى، حتى تتمكن من ممارسة نشاطها ؟! هل فعلا أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى هى السبب الحقيقى خلف انهيار 170 عاما فى خدمة السياحة بالمملكة المتحدة أم أن الأمر له أبعاد أخرى، ويخضع لتحليلات ووجهات نظر تختلف كثيرا عن كل ماسبق ؟!
أتصور أن كل ما سبق كان له دور فى إفلاس توماس كوك، إلا أنه بالقطع هناك سبب رئيسى قاد الشركة بقوة نحو الانهيار، قاومت معه لسنوات، إلا أنها لم تفلح فى النهاية، وأعلنت استسلامها أمام التطبيقات الذكية الجديدة الخاصة بالحجز الإلكترونى "الأبليكيشن"، فلم يعد يذهب أحد إلى شركات السياحة والسفر حتى يحجز رحلة أو يقضى إجازة، فكل الخيارات متاحة من شاشة هاتفه الذكى، الذى غالبا لا يتركه من يده، بل يحتل مساحة من سريره خلال ساعات النوم.
السبب الحقيقى لسقوط توماس كوك هو الصراع التقليدى بين الماضى والحاضر، والفرق بين التحرك نحو التطوير والتجديد فى مقابل الاستكانة والاستسلام لفكرة ليس فى الإمكان أبدع مما كان، والاختلاف بين التحرك بالسرعة المناسبة نحو الجديد، والسير على مهل ظنا أننا وحدنا من يعرف الطريق، ولن يسبقنا إليه أحد أو يصل إلى ما وصلنا إليه.. كل هذه الأفكار كانت سببا مباشرا فى ضياع 22 ألف موظف للشركة حول العالم، وفقدان زبائن عددهم لا يقل عن 20 مليون من مختلف الدول، كانوا يعتمدون على توماس كوك فى تنظيم عطلاتهم السنوية وإجازاتهم بصورة منتظمة، وسيذهبون شئنا أم أبينا إلى تطبيقات الحجز الإلكترونى عبر الموبايل أبليكيشن.
توماس كوك لن تكون الشركة الأخيرة فى قطاع السياحة التى تعلن إفلاسها بسبب التطبيقات الجديد، إنما هى مجرد البداية لعقد ستنفرط حباته واحدة بعد الأخرى، فالصراع هنا لا يعتمد فقط على الخدمة والجودة، بل مواجهة صريحة يدور موضوعها حول كيف تطور أدواتك أو أن تسقط دون ثمن.. فمن يقول أن توماس كوك لم تكن تقدم خدمة جيدة، أو لم تهتم برغبات عملائها وتطلعاتهم، وتسعى لإرضائهم بشتى الطرق، ولكن من يعتاد القيادة لسيارة أتوماتيك، سيجد صعوبة فى العودة للمانيوال مرة أخرى، أو على الأقل سيتخلص من الأخيرة فى أقرب فرصة حال تغير الطروف.
الخطر لن يتوقف عند شركات السياحة فقط، بل كل المهن والخدمات التى يمكن للتكنولوجيا أن تتحكم فى مسارها، على رأسها قطاعات الإعلام و التسويق والدعاية والخدمات المالية، والاستشارات الفنية فى كل التخصصات، وعشرات المهن والوظائف التى سنفقدها حتما، نتيجة السباق الحتمى بين الماضى والحاضر، الذى لن يرحم أحد ولن يعرف أصالة التاريخ أو حدود الجغرافيا.