فى ذكرى السادس من أكتوبر كل عام، تستشعر وكأنك على الجبهة، تهتف مع الأبطال وتردد عبارات النصر، وترتفع حرارة الوطنية فى عروقك، وينتصب شعر رأسك وكأنك تحمل السلاح وتقاتل وسط هؤلاء الأبطال، الذين عبروا الموانع المستحيلة، وكانوا على قدر ما توقعت منهم مصر، ونجحوا فى تحقيق نصر مبين فى ساعات قليلة، بقوة وصلابة أذهلت العالم، ليؤكدوا أن هذا الشعب عصى على الانكسار والهزيمة وقادر على حماية حدوده واسترداد أرضه.
وعلى الرغم من أن حرب أكتوبر المجيدة مر على ذكراها الخالدة 46 عاما، إلا أن كل ما كتب عنها لا يمكن أن يوفى حجم البطولات التى سطرها المصريين، فهذه الذكرى الخالدة، ليست رواية أو اثنين أو مائة، بل آلاف القصص لكل من عبروا وحاربوا، وحققوا أكبر نصر لهذه الأمة فى التاريخ الحديث.
والحديث عن حرب أكتوبر المجيدة يحتاج إلى أيام وشهور حتى نعطيه حقه، فلم تكن هذه الحرب يوم السادس من أكتوبر فقط، كما يظن البعض، بل جرى الإعداد والتجهيز لها بعد العدوان الغاشم فى 5 يونيو 1967 مباشرة، إلى أن تحقق النصر، وبدأت مباحثات الكيلو 101 فى 28 أكتوبر 1973.
وما أود أن أتحدث عنه اليوم فى هذه الحرب الخالدة، هو السلاح الذى اعتمدت عليه فلسفة الخطة فى أكتوبر 1973، الذى كان لرجاله دور كبير فى تحقيق النصر، وكبح جماح وغرور المقاتلات الإسرائيلية، إنه سلاح " الدفاع الجوى" ، فقد اعتمدت خطة الحرب على عبور القوات المسلحة المصرية لقناة السويس والتقدم إلى شرق القناة بمسافة من 10 إلى 12 كيلو متر، باعتبار أن منظومة الدفاع الجوى التى كانت تمتلكها مصر من الاتحاد السوفيتى فى تلك الفترة تغطى هذا المدى بصورة فعالة وقادرة على ردع أى طلعات جوية، وتحييد الطيران الإسرائيلى بشكل كامل فى نطاق تلك المسافة.
وقد كان لمنظومة الدفاع الجوى سام 2، المعروفة باسم "فولجا"، وهى صواريخ أرض جو روسية الصنع، واسمها مستمد من أطول الأنهار فى روسيا نهر "الفولجا" الذى يصل طوله إلى 3500 كيلو متر، ويقع فى الجزء الغربى منها، وقد أطلق الروس على الصاروخ هذا الاسم تيمنا بفكرة أنه ذات مدى مناسب، ويمكنه حماية أطول الأنهار، وقادر على اصطياد الطائرات وقنصها بقوة، والمنظومة الثانية التى اعتمدت عليها مصر فى الدفاع الجوى خلال أكتوبر 1973 هى سام 3، المعروفة باسم " بيتشورا"، ومأخوذة أيضا عن نهر البيتشورا، الذى يقع فى شمال غرب روسيا، ويصب فى المحيط القطبى الشمالى بطول 1800 كيلو متر .
استطاعت منظومة الدفاع الجوى للجيش المصرى فى أكتوبر 1973، أن تمنح القوات البرية القدرة على التحرك وتدمير مواقع وحصون العدو شرق قناة السويس، بصورة على أعلى درجة من الاحترافية، وفى أمان كامل، بعد شل حركة الذراع الطولى لإسرائيل "سلاح الطيران"، فقد كانت مقاتلاته تتحول إلى "عصف مأكول" حال اقترابها من قناة السويس.
كل التحية لرجال الدفاع الجوى، الذين كانوا على قدر المسئولية فى حرب أكتوبر 1973، وقدموا غطاء قويا للوحدات البرية المقاتلة، نجحت معه قواتنا فى تحقيق النصر.. كل عام ومصر وقواتها المسلحة بخير.