صناعة الكتاب والنشر من أقدم الصناعات التى شهدتها الدولة المصرية، حيث يرجع تاريخها إلى عصور الفراعنة والمصريين القدماء، والتى تناولت موضوعات فى شتى نواحى الحياة فى تلك الحقبة من علوم اجتماعية ودينية وإنسانية وطبيعة وتطبيقية.
اعتاد المواطن المصرى على قراءة الكتب، لكنه لم يهتم يومًا إذا كان الكتاب الذى بين يديه مزورًا أم من مصدره الشرعى، هنا القارئ يمثل عنصرًا مهمًا فى قضية تزوير الكتب وقرصنتها، فلا بد أن يدرك أن شراء الكتاب المزور قد يؤدى فى النهاية إلى توقف الكاتب عن الكتابة لأنه لا يجنى ثمار جهده وإبداعه، وكذلك الناشر الذى يتحمل تكاليف إنتاج الكتاب فى ظل الأزمات التى تواجه المهنة، ولاسيما بعد تحرير سعر الصرف وارتفاع أسعار الورق والأحبار وغيرها من مستلزمات الإنتاج.
لكن البعض احترف تشويه وتزوير كل شىء حتى تراثنا وكتبنا القيّمة يتم تزويرها من دور النشر «تحت بير السلم»، تقوم بإعادة طبع الكتب ليس القديمة وحسب، بل يهتم المزور بمراقبة حركة مبيعات الكتب، ليقوم بتزوير الكتب الموضوعة على قائمة الأكثر مبيعًا وهو ما يعرّض أصحاب دور النشر إلى خسارة فادحة، هذه الخسائر ليس فى السوق المحلية فقط، بل فى الأسواق الخارجية، والتى تتمثل فى حجم التوزيع فى المكتبات الموجودة بالخارج ومعارض الكتب العربية، وبالتالى يؤثر سلبًا على سمعة الدولة فى مجال النشر والطباعة، وبصراحة تفشى ظاهرة القرصنة وتزوير الكتب باتت تهدد سمعة مصر خاصة بعد تزايد نسبة أعداد الكتب المزورة التى يصدرها هؤلاء المزورون من القاهرة إلى جميع أسواق الوطن العربى.
ومؤخرًا قامت إحدى دور النشر بسرقة كتاب «كليوباترا.. سيرتها وحكم التاريخ عليها» للكاتب المصرى زكى على، الذى تم إصداره عام 1962 ونسبته إلى كاتب فرنسى يدعى «اليكسندر دوماس»، هذه الواقعة أثارت القائمين على الأمر من ناشرين وهيئة الكتاب والمثقفين فى مصر، خاصة أن الكتاب صدر منذ 70 عامًا وحسب التراث المصرى أصبح ملكية عامة لكل المصريين، وبهذا الفعل اعتادوا على سرقة جزء من تراثنا الثمين من الإنتاج الفكرى، الذى لا يقل فداحة عن سرقة الآثار المصرية وتهريبها للخارج.
وبالفعل تحركت وزارة الثقافة واتحاد الناشرين المصريين الذى قرر سحب الجائزة التشجيعية التى منحها لدار «نبتة» عام 2017، ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب، بعد اتهام الدار بسرقة الكتاب الثمين.
صناعة النشر التى تمثل أهم أذرع القوة الناعمة لمصر مهددة، لكن الموضوع أكبر من سرقة كتاب ولا حتى نسبه لغير مؤلفه، إنما أصل الحكاية فى ضرورة الحفاظ على حقوق المؤلف والمترجم والناشر والقارئ والدولة التى قد يتم تهديد صناعة بكاملها جراء هذه السرقات من دور نشر أو مطابع «تحت بير السلم» والتعامل مع هذه الصناعة على أنها مشروع تجارى بحت جعل العديد ممن لا علاقة لهم بالمهنة دخلوا لتحقيق ربح على حساب أى شىء آخر، وهذا ما يؤكده ضبط ما يقرب من مليون و48 ألفا و825 نسخة من الكتب المشكوك بها أنها مزورة، داخل أحد المخازن مؤخرًا، وكالعادة سنصطدم بنصوص القانون الحالى الذى ينص على الغرامة وهى 5 آلاف جنيه فقط، ولا تتعجب عندما تجد أكثر من 1400 قضية تزوير تنظر أمام القضاء المصرى حاليًا.
البعض يستهتر ويستهين بقضية صناعة النشر التى تتم مراقبتها من العديد من الجهات على مستوى العالم، ومنها اتحاد الناشرين الدولى، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية «الويبو»، وغيرهما من المؤسسات، فضلًا عن أن مصر موقعة على جميع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية حقوق الملكية الفكرية، وهو ما يعرضها لعقوبات شديدة على أعتبار أن مصر دولة غير راعية لحقوق الملكية الفكرية، فتصبح النتيجة فرض عقوبات مشددة عليها مثلما حدث لدول أخرى كالصين وكوريا بسبب حقوق الملكية الفكرية.
لكننا هنا لابد أن نواجه أيضًا عيوبنا، خاصة أن ثقافة الناشرين محدودة فى مجال حماية الملكية الفكرية، وهو ما دفع اتحاد الناشرين الذى ارتفعت العضوية فيه من 600 إلى 1200 عضو لعمل دورة تدريبية للناشرين لكى يعلموا حقوقهم وواجباتهم، وأهمية الحماية الفكرية، لحماية حق المبدع فى مؤلفاته والناشر فى إصداراته واستثماراته، ودعمًا لاستمرار العملية الإبداعية وتقديم الجديد للناشر فى معرفة حقوقه وواجباته، وما هو الملك العام والملك الخاص والعقود المنظمة للصناعة وحق كل طرف من أطراف عملية النشر، أطلق مبادرة لحماية حقوق الملكية الفكرية فى مصر، لضمان استمرار العملية الإبداعية وتعريف الناشر بحقوقه وواجباته، وكذلك ما التفرقة بين ما هو ملكية عامة وملكية خاصة، والعقود المنظمة للصناعة وحق كل طرف من أطراف الصناعة ولهذا، أطلق الاتحاد، مبادرة لحماية حقوق الملكية الفكرية، بهدف رفع ثقافة ووعى القارئ بأهمية الملكية الفكرية.
ليس الكتاب وحده هو ما يتعرض للقرصنة أيضًا من المشكلات التى تواجه صناعة الفن الغنائى فى مصر، هى قرصنة الإنترنت التى تحمل المنتجين خسائر فادحة، فبعد أن كان فى مصر ما يقرب من 250 شركة لإنتاج الأغانى، أصبحت شركات محدودة جدًا، نظرًا لما تتعرض له شركات الإنتاج من خسائر.
علينا أيضا إيجاد حلول بديلة تتصدى للتزوير، مثل أن يكون هناك مكتبات عامة فى جميع مناطق الجمهورية، يتم تزويدها بكتب حديثة، وحينذاك فإن دور النشر بدلا من أن تقوم بطباعة 500 نسخة من الكتاب، ستطبع خمسة آلاف، وهو ما سيوفر عليها تكاليف الطباعة أولا، ثانيًا يقلل من سعر الكتاب، ثالثًا يغلق الباب أمام المزور، لأن الشباب سيجدون الكتب مجانية فى المكتبات العامة، وبسعر معقول فى المكتبات الخاصة.
لكن الواجب يحتم علينا رفع صوتنا والمناداة بقانون خاص لحماية الملكية الفكرية، خلال انعقاد مجلس النواب فى دروته الجديدة، بهدف تغليظ العقوبة على المزور، وألا تقتصر العقوبة على الغرامة فحسب، بل يجب حبس كل مزور.