ما يميز أى شعب على وجه الأرض، هو حفاظه على تاريخه وثقافته وحضارته، والاستفادة منها فى التطوير والتحديث المستمر، وأخطر ما يواجه أى أمة، هو أن تترك تاريخها لمن يصنعه وفق أهوائه ومصالحه الشخصية، حتى يصل الأمر لأن يكون هناك تاريخا موازيا، بدلا من التاريخ الحقيقى، ومع الوقت نترك التاريخ الأصلى بكل ما فيه من دروس وعبر، لندافع عما صنع فى غفلة من الزمن وفى الأحداث الكبرى من تاريخ موازى، ويعرف من بثه بخبث فى كافة الطبقات الاجتماعية، أن أهدافه ستتحقق ولو بعد حين.
صناعة التاريخ الموازى لها أدواتها الموضوعة بعناية، أهمها حاليا هو ما يبث وينشر على مواقع البحث الشهيرة، بهدف تغذيتها بمعلومات مغلوطة، عن الماضي وليس الحاضر فقط، فتجد نفسك مع الوقت، ودون ملاحظة، أنك تترك عقول أبناءك فريسة لكل المعلومات غير الموثقة على تلك المواقع الشهيرة، وبدلا من أن تلقن أولادك تاريخ بلدهم بكل معانى الفخر الموجودة به، تجد نفسك فى حالة تصحيح، هذا لو كان لديك المعلومة والثقافة، أو فى حالة تبرير إذا كنت لا تملك أيا منهما، حيث دأب صناع التاريخ الموازى، للأخذ من تاريخ الأمم ونسبتها إلى أممهم، فعلى سبيل المثال، يمكنك أن ترى أكلات شعبية مصرية خالصة، منسوب تاريخها، لدولة لا يتعدى عمرها عدة عقود، بل ويتبجح ذلك الطرف، بعمل دعاية ومهرجانات حول تلك الأكلات، غير عابئ بشىء، سوى أنه يصنع تاريخا مزيفا لأمته، بعد عدة سنوات، سيصير تاريخا موجودا بقوة، ولا يعرف الأجيال الجديدة أصله.
تطور التاريخ الموازى، ليس مقترنا بصناعة ثقافة وتاريخ مزيف لأمم حديثة النشأة، ولكن الأمر متطور، لضرب تاريخ الأمم، للنيل منها، وذلك بهدف صناعة جيل مع الوقت، لا يؤمن بدولته ولا يؤمن بتاريخها، وليس منكرا للحاضر فقط، ومن هنا يظهر الهدف الأساسى، لضرب الأمة أيا كانت تلك الأمة، حيث يذهب أبنائها بعيدا، يبحثون عن المال فقط، ولا يدرون أن هجرتهم الدورية من الوطن، تفكك دواخله، حيث أن أدوات صناعة التاريخ الموازى كثيرة للغاية، لذلك فالحفاظ على التاريخ الحقيقى والسليم للأمم، هو مسألة أمن قومى، وفرض على كل المسئولين والقادة والمواطنين والمؤسسات والأجهزة المعنية، لأن كلما تأخر توثيق وتأسيس ذاكرة التاريخ الموثقة، تركنا المساحة لغيرنا ليستخدمها وفق أهدافه.