ليتهم يتعلمون منكِ
ليس للإنسان إلا ما رأى، وأنا يا أنجلينا جولى رأيتك رمزا مخلصا عن الإنسانية الحقة التى ينبغى أن تكون، والتى من المكن أن تغير شيئا ولو قليلا من الواقع الردىء الذى يحيط بنا، ورأيتك صورة تكفى كى تمنح الوجود معنى، وتجعلنا لا نفقد الأمل فى البشر بل نراهن على النقطة البيضاء الكامنة فيهم، وعرفت بأن الخير باقٍ فى هذه الأرض طالما بقى أمثالك بضمائرهم اليقظة وقلوبهم النبيلة.
وليس على الشاهد إلا ما أبصر، وأنا شاهدتك تجوبين البلاد الدامية وتلتقين أهلها المروعين من الخوف وعيونك ممتلئة بالأمل والدمع، كنت تنظرين لأطفال سوريا الدافئة قلوبهم بسبب وجودك بينهم، واستطعت أن ترسمى بسمة خفيفة على أطفال أفغانستان الذين نسوا الضحك تقريبا، بينما رجل عجوز يبكى أمامك ويحكى لك عن القهر والفقر اللذين أصاباه فى مقتل وأنت تنصتين له بكل كيانك وروحك الشفيفة، ومرة أخرى أبصرتك تلعبين الكرة مع الأطفال المقهورين الذين نسيهم العالم وتذكرتيهم أنت.
أنجلينا.. لماذا لا يتعلمون منك فى بلادنا العربية؟! ولماذا لا يقوم مبدعونا بدورهم الاجتماعى ونحن أرض المنكوبين واللاجئين والضائعة حقوقهم، ولدينا مشكلات فى كل البقاع من المحيط للخليج، وفى مصر هناك عدد لا بأس بهم من الفنانين يشغلون مناصب سفراء للنوايا الحسنة، لكننا للأسف لم نسمع عنهم يتحدثون عن قضية ما، ولم نرهم يحملون حتى ولو شيئا قليلا من الأمل للاجئين وللفقراء، ولم نشاهدهم يوما يصحبون الإعلام معهم ويتوجهون لملاقاة الضحايا وما أكثرهم، ولم يفكروا ساعة فى فضح العالم السياسى الذى فعل بنا كل هذا، إنهم لم يستوعبوا منك شيئا يا أنجلينا وأكاد أجزم لك بأنهم لا يعرفون ما الذى تفعلينه أصلا.
أنجلينا يقول البعض بأن نقص وزنك الملحوظ فى الآونة الأخيرة حدث بسبب تعاطفك مع الجوعى فى هذه الأرض، بينما ينكر آخرون ذلك ويرونه بسبب مرض ما أصابك، وأنا أقول أنك لست فى حاجة ليعرف الجميع الخير الذى فى داخلك ولا حتى أن يحكموا عليك وعلى تصرفاتك يكفى أن يقيموا مقارنة بسيطة بينك وبين رؤساء العالم وملوكه وستنتصرين حتما، فحياتك وأبناؤك وزياراتك للمنكوبين دليل على قلبك الممتلئ بالرغبة فى التعيير وبالحلم مع الآخرين ولصالحهم، لذا عليك المقاومة والاستمرار فيما تفعلينه من الحب، جميعنا فى حاجة إلى قلبك الكبير القادر على الاحتواء، فالخسارة الكبرى التى سنصاب بها نحن المعذبين فى الأرض هى ألا تكون أنجلينا جولى حاضرة هنا بيننا.