بين الحين والأخر، تقوم قوى الشر على مواقع السوشيال ميديا وقنوات الضلال بترويج أكاذيب وشائعات، بهدف إرباك الدولة وزعزعة الاستقرار، متخذين من تلك الشائعات سلاحا خسيسا من جعبة ذخيرتها الشيطانية التى لا تنضب لاستهداف العقول والنفوس، آخرها انتشار الالتهاب السحائى، الأمر الذى نفته وزارة الصحة والدولة المصرية، مؤكدة، أنها شائعة ضمن خطة ممنهجة جديدة لتلك التنظيمات للاصطياد فى الماء العكر، فى محاولة بائسة لتحقيق أهداف مسمومة وخبيثة، لنصبح أمام دليل قاطع على إفلاس الجماعة الإرهابية وخاصة بعد فشلها خلال الفترة الماضية فى كثير مما تصبوا إليه.
وتأكد بما لا يدع مجالا للشك، أن خلال الفترة الماضية قامت تلك التنظيمات برفع شعار جوزيف جوبلز وزير الدعاية السياسية الألمانى "اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدق الناس الكذبة"، من خلال إطلاق آلاف الشائعات بغرض هز ثقة المواطنين فى قياداتهم الوطنية، وخاصة أن الأمر أصبح سهلا ولا يحتاج إلا ضغطة زر واحدة على هاتف أو حاسوب، ليبدأ الخبر بالانتشار كانتشار النار فى الهشيم.
ولهذا يجب، أن ندرك أننا فى خضم حرب عدوانية شاملة يستخدم فيها العدو كل فنون الحرب، ومنها النفسية بكافة أدواتها وأساليبها التى منها الشائعات، والتى أصبحت فنا من فنون عالم الجاسوسية، فعلينا أن نتنبه لخطورة هذا السلاح غير التقليدى الذى بدأ العدو يكثف من استخدامه مؤخراً كى يعوضه عن فشله، فلك أن تتخيل، أن دراسة برلمانية حديثة، كشفت أن هناك 53 ألف شائعة تم إطلاقها داخل مصر خلال 60 يومًا فقط، وتحديدًا فى شهرين فقط العام الماضى، وذلك من خلال وسائل مختلفة، كانت النسبة الأكبر منها عبر السوشيال ميديا، ولهذا حذر ديننا الحنيف، من خطورة هذا الأمر، عندما قال جلً شأنه "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"، وقال سبحانه وتعالى، "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا".
ولخطورة الأمر، أكد مفتى الجمهورية الدكتور شوقى علام، أن مروجى الشائعات يصدق عليهم وصف المرجفين، الذين يهدفون إلى زعزعة استقرار الأوطان، كما جاء فى قوله تعالى "وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ"، ومؤكدا أن الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها، وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم فى الدنيا والآخرة؛ فقال تعالى "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون".
والشائعات ليست ظاهرة جديدة بل هى ظاهرة اجتماعية قديمة ولعبة استخدمها الفراعنة، وانتهجها البربر، وبرع فيها المغول، ونجح فى استخدامها الألمان ضد الروس إبان الحرب العالمية الأولى، ولهذا فهى حرب قذرة تستهدف المدنيين والعسكريين على حد سواء وتزدهر فى الأوساط المجتمعية الأقل تعليماً ومن غاياتها إضعاف إيمان الشعب بمبادئه القومية والوطنية، وإثارة الشك فى شرعية قضيته ومسارها.
وهنا نقول.. يجب على جميع أفراد المجتمع التصدى لهذا العدو المتخفى، لأن حرب اليوم ليست حرب دبابات ومدافع، بل حرب ثقافية ونفسية، يراد منها التأثير على العقول والأمزجة وصولاً إلى السيطرة على الشعوب، وهنا يجب أيضا على الدولة أن توفر مقومات وركائز العمل العلمى والمنظم وفق تخصيص دقيق وضوابط موضوعية، من خلال تشكيل جهاز للرصد والمراقبة والبحث والتخطيط ، وأن يوفر له كل الإمكانيات التي تساعد كوادره على الابتكار والإبداع فى التصدى لتلك الحملات، وفى نفس الوقت يكون لديهم القدرة على شن الهجمات المضادة.
وأخيرا.. يأتى الدور المهم للإعلام الوطنى، بأن يلعب دوراً محورياً فى هذه المعركة، من خلال جمع المعلومات وتفنيدها وطرحها بشفافية مع شرح مراميها وغاياتها وكيفية مجابهتها، حتى لا ينجح تلك العدو فى تسميم الجانب الذهنى والمعنوى وهز ثقة الشعب فى مؤسساته السياسية.