ربة المنزل لا تترك الموبايل، وإشعارات الواتس آب لا تتوقف عن الضجيج، فالكل يكتب فى وقت واحد، والأمر غير قاصر على أحوال الدراسة والتلاميذ، بل قد يتطرق إلى الطريقة المثالية لعمل "السندوتشات"، وفائدة وضع السلطة الخضراء فى اللانش بوكس، وأفضل أنواع المياه المعدنية لصحة الطفل، بل أكثر من ذلك يمتد الحديث إلى طريقة عمل الفراخ البانية بدون زيت، وكيفية عمل كيكة الشيكولاتة، وفى بعض الأحيان قد يصل الأمر إلى اقتراح برحلة جماعية ولقاءات تجمع أولياء الأمور... وأكثر من ذلك يحدث فقط على جروبات " الماميز".
جروبات الأمهات صارت عادة مستقرة فى كل أنواع التعليم، وفى مختلف المدارس، تبدأ مع التلاميذ من كى جى 1، حتى المرحلة الثانوية، ومع أن الفكرة نفسها جيدة، ومن الممكن أن تنقل خبرات، ويستفيد منها أولياء الأمور بصورة إيجابية فى زيادة مستوى التحصيل الدراسى لدى التلاميذ، خاصة فى الصفوف الأولى، إلا أنها للأسف تحولت إلى وسيلة لنقل الشائعات، والحديث عن التقصير فى المدرسة وسوء أحوال التلاميذ، ونقص الخبرة لدى المعلمين، وشكاوى عديدة ومتنوعة لا تنتهى، لتتحول تلك الجروبات إلى منصة للشكوى من كل شىء.
الغريب فى جروبات "الماميز" أنها ليست قاصرة على الأمهات فقط، بل من الممكن أن تجد الخالة والعمة، وبنت الأخت الكبيرة، وأحيانا الجدة، التى كانت تعمل مديرة مدرسة المساعى المشكورة الابتدائية منذ 10 سنوات، فالكل هنا يدلى بدلوه، والجميع يعرض وجهة نظره، وكل الأمور مطروحة للنقاش بسيطة كانت أو معقدة، وغالبا ساعة الذورة تبدأ من السابعة مساء، وتمتد لساعات قد تصل إلى العاشرة، لتكون النتيجة فى النهاية أن الطالب يترك المذاكرة والتحصيل لانشغال الأم بالرد على رسائل الواتس.!
الحقيقة أن جزءا كبيرا من أزمة المجتمع المصرى أننا نبالغ فى تقدير كل شىء، حتى يخرج الأمر عن سياقه، وتستهلكنا السوشيال ميديا بصورة، تجعلها تتحكم فى كل ما نقوم به يوميا، فبدلا من تحويلها إلى أداة يمكن من خلالها تسهيل التواصل، صارت عائقا فى اتخاذ القرار ومصدر غير محدود للتشويش والإسراف فى التفاهات والأمور البسيطة، التى غالبا تحتاج إلى قرار شخصى يتناسب مع كل حالة بمفردها، فليس حلا أن نضع مشكلاتنا على جروبات الواتس آب أو الفيس بوك حتى نحصل على أفضل الحلول، خاصة أن أغلب هذه الحلول لن تأتى إلا من داخلنا ارتباطا بقدرتنا على الاستمرار والمواجهة.
أتمنى أن تتحول تجربة جروبات " الماميز" إلى فكرة مفيدة تساهم فى تطوير طريقة التحصيل الدراسى للتلاميذ، ويكون الحديث فيها مقصورا فقط على الأنشطة المدرسية، وكيفية معاونة النشء الصغير فى الاستمتاع بالتعليم، وممارسة الهوايات بطريقة تدفع نحو المزيد من النتائج الإيجابية، دون تقليص الأمر فى فكرة المشكلات وفقط، خاصة أن يوم العمل لدى كل منا مملوء بالمشكلات والشد والجذب، بما لا يسمح أن تتحول هذه الجروبات إلى عبء إضافي.