لا نحتاج إلى خبير فى "الاستشعار عن بُعد" لتفسير ظاهرة اللون الأحمر التى ظهرت فى صور تداولها القمر الصناعى التابع لوكالة الفضاء الأوروبية لنهر النيل والدلتا، التفسير بسيط فما يظهر حسب الفيديوهات أيضاً هى أشياء لم نكن نراها مثل الأشعة تحت الحمراء الحرارية المميَّزة الصادرة عن النباتات للدلالة على مساحات انتشار هذه النباتات، والدالة ايضا على أن منسوب نهر النيل فى انتقاص.
تعتمد مصر على 97٪ من مياه النيل كمصدر للحياة وهو ما يضمن تدفق نحو 50 مليار متر مكعب سنويا من المياه، لكن هذه النسبة سوف تتغير أواخر هذا العام مع انتهاء الدراسات الفنية بشأن سد النهضة، ويكفى أن نشير هنا إلى أن إثيوبيا ترفض الاعتراف بالحصص المائية الحالية لمصر والسودان حتى نستشرف حجم القلق القادم من كيفية إدارة حصة مصر وكأننا نقف فى الطابور ننتظر دورنا من يفتح لنا المحبس من إثيوبيا.
ولَك أن تتخيل أن التركيز فى الفترة الراهنة سوف يعتمد على معالجة مصادر التلوث من مياه الصرف الصحى ومخلفات المصانع وتحسين نوعية مياههما ومن ثم تدويرها وإعادة استخدامها أكثر من 6 مرات على الأقل خاصة مع تزايد إعداد السكان والتى من المتوقع أن تبلغ 130 مليون عام 2030، بينما يتزايد معدل السكان فى دول حوض النيل الأخرى ويتزايد معها الطلب على المياه وهو ما يعدّ تحديا آخر فى كيفية ادارة الدبلوماسية والمعنيين لهذا الملف .
لم يُفصح وزير الموارد المائية والرى د. محمد عبد العاطى الذى تولى منصبه أواخر مارس الماضى عن بدائل لسيناريوهات مطروحة لمواجهة عجز الموارد المائية الوشيكة، وفى حديث له مع صحيفة "المونيتور " والتى أشارت إلى تقارير حكومية تتحدث عن عجز مائى يتجاوز 40 مليار متر مكعب من الاستخدامات التى تحتاجها مصر للشرب والزراعة والتنمية فى حين تستعد إثيوبيا بدء التخزين التجريبى للمياه خلف سد النهضة .
ما سردناه فى السطور السابقة كانت الحقيقة وحتى نكون منصفين تعالوا بِنَا نتأمل تصريحات وزير الموارد المائية بعد زيارة نظيره السعودى والتى تحدث فيها عن مجالات تعاون مرتقبة فى مجال تكنولوجيا تحلية مياه البحر والاستفادة من المياه الجوفية والحفاظ عليها لضمان استدامتها وهما المعنيين بالمركز القومى لبحوث المياه الجوفية، وأحد مراكزه بمنطقة القناطر الخيرية المليئة بشكاوى تحويل الأهالى هناك مجرى النيل إلى مجرى للصرف الصحى غير أن هذا المركز لا يعمل بفاعلية.
لا ينكر أحد خبرة المملكة العربية السعودية فى تحدياتها للحفاظ على الأمن المائى الوطنى، وإذا تحدثنا عن الشوط الذى قطعته السعودية فى هذا المجال فلابد أن نذكر أن من ضمن هذه التحديات استمطار السُحب ونقل جبال الجليد العائمة واستيراد المياه عبر الأنابيب كأحد استراتيجيات مواجهة تحديات الأمن المائى، لكن هذا لا يمنعنا بأن نقول إن دول الخليج العربى تواجه مأزقا حقيقيا فى تأمين مواردها المائية هى الأخرى لكنه ليس بالمأزق الجديد بعكس الوضع فى مصر فالمضاعفات السلبية على نظامنا البيئى تظهر دون إحراز استعداد سريع لإنشاء محطات تحلية إضافية ترهق ميزانيتنا ليتمكن كل شخص من الحصول على ما يكفى من وفرة المياه الآمنة بتكلفة يستطيع تحملها ليعيش حياة نظيفة صحية ومنتجة وهو الأمر المستبعد.
منذ العام الماضى خاض البعض رحلات البحث عن المياه فى مناطق بعيدة عن نهر النيل وقريبة من ساحل البحر، حيث المكثفات أو وحدات التحلية ذات الماكينات الثقيلة ويقف أمامها مواطنون بسيارات نصف نقل تعلوها براميل فارغة ليملأها بالمياه المحلاة بواسطة خرطوم طويل متصل بالمحطة .
"الميه دى ما بتتشربش" هكذا قال أهالى مدينة السلوم لأحد أفراد رحلات البحث عن المياه الحلوة والموثقة بالصور على موقع "دوت مصر" وبعد عملية معقدة من فصل الشوائب والضغط وإضافة الكلور والمعالجة تظل المياه غير صالحة للشرب وتتراوح تكلفة ترشيح المتر المكعب من مياه البحر بين 3 إلى 6 جنيهات ثم توصيلها للمنازل بتكلفة 12 جنيها .
حانلف ونرجع لمياه النيل لأن تكلفة ترشيح مياهها لا تتجاوز الجنيه الواحد ولكن من يفتح لنا المحبس من إثيوبيا؟