فى كل مناسبة احتفالية، تدأب بعض التيارات السلفية الجهادية على تعكير صفو المصريين، من خلال إصدار فتاوى شاذة ومتطرفة تخرج بدوافع نفسية، ويصب فيها المفتون وابلاً من نار غضبهم تجاه من يكرهون أو من يحبون، ضاربين بعرض الحائط ما ورد فى صحيح الشرع والعلم من التحذير من الاقتراب من الفتوى، ومتناسين قول نبينا الكريم "أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار".
فها هو المسلمون فى كافة بقاع الأرض يستعدون للاحتفال بمولد المصطفى عليه السلام، وإذا بمواقع التواصل الاجتماعى تكتظ بفتاويهم المثيرة للجدل، محرمين الاحتفاء بالمولد وتحريم تناول الحلويات واللحوم والصيام فى هذا اليوم، زاعمين أن هذا بدعة، ومؤكدين أن من اخترع الاحتفال بالمولد النبوى هم الفاطميون، وأن الحلويات والعرائس والأحصنة والطبول "حرام شراعا".
وسلوك تلك التيارات لم يقف فقط عن التحريم بالاحتفال بالمولد النبوى، وإنما اعتادوا تحريم كل شىء فلو بحثت عن فتاويهم السابقة، ستجدهم مثلا، يحرمون إمساكية رمضان، لأنها مخالفة لسنة تعجيل الفطر وتأخير السحور على حد زعمهم، بالإضافة إلى تحريمهم أيضًا ما يدعو إلى البهجة والفرحة، حيث قالوا إن الزينة وفوانيس رمضان حرام، وكذلك تحريمهم تهنئة الأخوة الأقباط فى أعيادهم والاحتفال بشم النسيم والكريسماس، ومن أغرب أيضا فتاويهم جواز ترك الزوج لزوجته عندما تغتصب وتحريم التربح عبر بيع الألعاب على الإنترنت وتحريم "فيزا المشتريات" وتعليق صور بطوط إلى آخر فتاويهم المثيرة للجدل.
والعجيب، أنك تجد فتاوى تلك التيارات المتآسلمة مشتركة الهدف والنية، فتجد تلك الفتاوى مثلا فى تقارب تام مع فتاوى تنظيم داعش الإرهابى، والتى كانت أولاها مثلا، ضرورة إفطار أعضاء التنظيم أثناء المعارك، إضافة أن هذا نهج تلك التيارات منذ زمن، فعلى مدار تاريخ ظهور تلك الحركات منذ السبعينيات والثمانينيات، يطل علينا مشايخها بالتحريم التام لكثير من الأمور، فى خروج تام عن صحيح، وتعاليم الشرع السمحة.
وما يزيد الأمر خطورة، فإن مرجعية تلك التيارات فى إصدار الفتاوى هو المزاج والهوى، فعلى سبيل التمثيل، لطالما رفض مثلا التيار السلفى الدخول فى الانتخابات باعتبارها تؤدى إلى التنازل عن عقيدة الولاء والبراء، وأفتوا بكفرها، إلا أنهم بعد ثورة يناير تغيرت فتاواهم فشكّلوا "مجلس شورى العلماء" الذي ذهب للدعوة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، ثم تأسيس حزب سياسى، ومثال أخر ظهرت فتاوى تبيح قتل المتظاهرين المعارضين لحكم الرئيس الإخوانى محمد مرسى، باعتبار أنهم خوارج وبغاة، إلا أن هذا الموقف تغير تماماً بعد مرسى فباتت المظاهرات باباً من أبواب الجهاد في سبيل الله.
ويرجع الإصرار على إصدار تلك الفتاوى لعدة أسباب أولها، الجهالة وعدم دراسة الأحكام من منابعها الصحيحة، وثانيها: عدم إدراك خطر ومسؤولية الفتوى وما يترتب عليها؛ بالإضافة إلى حبُّ الشهرة والشعبية.
وهنا يجب الحذر من تلك الظاهرة الخبيثة المسمومة، لأن الكوارث المترتبة على تلك الفتاوى المثيرة للجدل هدفه إدخال المجتمع فى دوامة من الصراعات، والتأسيس لحالة من البلبلة والفتنة، لأنه ببساطة، خطورة تلك الفتاوى أنها تأخذ طابعاً شرعيّاً، ومرجعية مقدسة ينخدع بها البسطاء من الناس، ولهذا وجب على العلماء ومؤسسات الفتوى الرسمية باعتبارهم خلفاءُ الله تعالى بين عباده، أن يكونوا نماذجَ حيَّةً لتعاليمِ القرآن والسنة السمحة فى أقوالهم وخطاباتهم وفتاويهم للحفاظ على استقرار المجتمع وغلق الباب أمام هؤلاء المتخبطون؛ حيث إن الإسلام دينُ أمنٍ وسلامةٍ، ودين تسامح وتفاهم، وليس دينَ إكراهٍ ولا إرهاب.