ارتبطت حالة العنف التى تشهدها العديد من دول الغرب، سواء فى أوروبا أو الولايات المتحدة، تجاه الأقليات الدينية بصعود التيارات الشعبوية، وهو الأمر الذى رآه البعض فرصة لتشويه قادة العالم الجدد، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى لا يجد غضاضة فى وصفه بـ"الشعبوى"، إلا أن الصورة التى يروجها الإعلام عن تلك الأحداث ربما ليست دقيقة إلى حد كبير، خاصة إذا ما رجعنا إلى الخلف لعدة سنوات، لنجد أن الحالة الراهنة هى ثمرة لسياسات سابقة، أسفرت عن حالة من العداء تجاه "الآخر" فيما يسمى بـ"دول العالم الأول".
ولعل انتشار ظاهرة "الإسلاموفوبيا" تعود إلى ما قبل ظهور التيارات الجديدة، فى الوقت الذى كان فيه دعاة الليبرالية يتمتعون بالسلطة، حيث كانت تتجسد فى صورة أحداث فردية، على غرار قيام القس الأمريكى تيرى جونز بإحراق المصحف الشريف فى أحد الشوارع الأمريكى، بينما كان باراك أوباما، والذى كان ينظر إليه قطاع كبير من الأمريكيين باعتباره مسلما، قابعا على عرش البيت الأبيض، بالإضافة إلى أحداث التنمر والهجمات الفردية التى استهدفت المسلمين، سواء من الشباب أو الفتيات المحجبات، فى محطات المترو أو المحال التجارية أو غيرها.
وهنا يمكننا القول بأن موجة العنف الحالية سواء ضد المسلمين أو غيرهم من الأقليات الدينية فى الغرب، هى ثمرة لحالة بدأت منذ سنوات، بينما لم تحرك السلطات أو حتى الإعلام ساكنا تجاهها، بل كانت المنابر الإعلامية أحد أهم رؤوس الحربة فى تأجيجها لسنوات، فى مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث كانت حملات الهجوم على المسلمين برعاية حكومية خاصة فى الولايات المتحدة، منذ عهد الرئيس الأسبق جورج بوش.
وعندما حاول أوباما إصلاح العلاقة مع مسلمى العالم اتجه إلى الخارج، سواء عبر خطابه الشهير بالقاهرة فى يونيو 2009، أو التقارب مع الجماعات ذات المرجعية الدينية، عبر تمكينهم من السلطة فى بلدانهم، فى حين تجاهل حالة الاحتقان فى الداخل، والتى تجلت فى أحداث فردية لم تترك تداعيات كبيرة، ولكنها كانت مؤشرا خطيرا تعكس نمو ظاهرة العنف، ليس فقط تجاه المسلمين، ولكن تجاه الآخر.
ربما لا يمكننا تبرئة الخطاب اليمينى المتطرف من مسئولية الدماء التى أسالها العنف ضد الأقليات الدينية، سواء فى الولايات المتحدة أو نيوزلندا أو غيرهما فى الأشهر الماضية، ولكن لا يمكننا أيضا من تبرئة أصحاب المبادئ أو الأقلام الليبرالية، والتى تسابقت يوما فى الإساءة للآخر لمجرد اختلاف المعتقد الدينى، فى الوقت الذى تجاهلت فيه الحكومات الحوادث الصغيرة وانشغلت فى أهدافها لإعادة تشكيل العالم، ليتذوقوا من نفس الكأس بعد ذلك، فأصبحت الحوادث الفردية ضيقة النطاق أكبر وأكثر اتساعا، لتشمل دولا طالما تمتعت بالاستقرار النسبى والسلام المجتمعى لسنوات.