هذه القضية ليست قضية «سياسية» لنتبارى فيها ونتعارك حولها، وليست أيضا مسألة جدلية لنطرح وجهات نظرنا على قارعة الطريق ليعتقد من يعتقد وينتقد من ينتقد، هذه قضية وطنية، بل هذه هى القضية الوطنية، القضية الأكبر، والقضية الأعظم، والقضية الأم، قضية الأرض، قضية الدماء، قضية الحدود، قضية الانتماء، وبداية لن أزعم هنا أننى «حيادى» أو أننى «متجرد» بل سأؤكد لك قبل أن تقول أنت: أنا منحاز، ومنتم، وأحمل قناعات مسبقة، وانحيازى هنا ليس عيبا أو سبة، فانحيازى لمصر وأرضها وشعبها، وانتمائى إلى هذا الماء وهذا الهواء وهذا التراب، وقناعاتى هى أن الخارطة التى رسمناها بدمنا لن يستطيع أحد أن يشطبها بجرة قلم، مهما كان هذا «الأحد» ومهما كان المقابل.
هذا اعتراف، سمه ما تشاء، قل عاطفيا، وسأزيدك، فما الوطن سوى تلك العاطفة التى نحملها فى صدورنا لهواء سرى فى عروقنا، وتراب أكل منا وأكلنا منه، وماء توغل فينا وتوغلنا فيه، عاطفى أنا، والعاطفة هى الرباط الأسمى الذى يربطنا بكل شىء ذى قيمة، العاطفة هى التى تسكن بينك وأمك، وتسكن بينك وابنك، وبينك وحبيبتك وأهلك وإخوتك وأصدقائك، وإذا فتشت بين ضلوعك لن تجد نفسك مستعدا للموت فى سبيل أى شىء لا يربط بينكما عاطفة، وأنى لأعجب ممن يستبقون الحديث فى أزمة تيران وصنافير فيقولون: دعك من الكلام العاطفى وانظر فى الأوراق والمستندات، ثم ما إن تنصاع إليه حتى تجد عاطفتك تسبقك، بينما الأوراق والمستندات تتهاوى بين يدى الحقيقة الواضحة.
يقولون لى كن عقلانيا ولا تفكر بمشاعرك. فكيف أنزع حب الوطن عن الوطن، فيصير الحب بلا معنى ويصير العقل بلا جدوى ويصير الوطن بلا وطن؟ عاطفى أنا، والعاطفة وحدها هى التى تفرق بين الجندى الذى يدافع عن وطنه، والمرتزق الذى يحارب من أجل حفنة أموال، هى التى تفصل بين الزوجة التى تستظل بأنفاس زوجها، والعاهرة التى تفتح ذراعيها لمن يفتح خزانته، والعاطفة هنا ليست نبتا شيطانيا نما فى الظلام، وليست خلية سرطانية تصيبك فتتنصل منها وتحجمها، العاطفة هنا هى القوت والمؤن، هى الراعى والحامى، والسبيل، وهى الحقيقة الوحيدة التى لا تحتاج إلى أحد ليؤكدها أو ينفيها.
هذا اعترافى أقدمه إليك، فقد منعت نفسى لأيام من أن أنساق وراء المزايدات المتناثرة عبر الفضائيات والصحف ومواقع التواصل الاجتماعى، لكنى فى الحقيقة بعد متابعتى لعشرات «القصاقيص» المتناثرة والتى يسمونها «وثائق» تأكدت من أن تيران وصنافير جزيرتان مصريتان، وأنه كان من الأنسب والأفضل أن تنتظر مصر حتى تتم دراسة القضية جيدا لنقدم أدلة ملكيتنا للجزيرتين بدلا من أن نجتهد ونتفنن فى إثبات ملكيتها للسعودية، وفى الحقيقة أيضا فإننى بعد متابعة عشرات المواقع والصحف والفضائيات والفيديوهات اكتشفت أن كل «القصاقيص» المعروضة فى سوق الرأى العام، تحاول أن تثبت أن جزيرتى تيران وصنافير كانتا معارتان من السعودية لمصر، فى حين أن من بين عشرات القصاصات هذه لم يقدم أحد «ربع قصاصة» تثبت ملكية الجزيرتين للسعودية؟ فما لكم كيف تحكمون؟