لم يستغرق الأمر أكثر من 3 أسابيع فقط من المظاهرات والعنف فى بوليفيا، حتى أعلن الرئيس إيفا موراليس استقالته، فى خطوة تبدو نقطة فارقة ليس فقط فى تاريخ الدولة التى تقع غربى أمريكا الجنوبية، ولكن ربما فى تاريخ المنطقة بأسرها، خاصة وأن الدول الأخرى المحيطة بها ليست ببعيدة عن إطار الفوضى، فى ظل المظاهرات التى ضربت العديد من الدول الأخرى، من بينها تشيلى وبيرو وفنزويلا، وغيرها، وهو ما ينذر بمزيد من الحراك فى الدول الأخرى، فى ظل رغبة نشطائهم باستلهام التجربة البوليفية.
المشهد البوليفى يبدو متكررا، حيث سبق وأن شهدت منطقة الشرق الأوسط السيناريو نفسه، فيما يسمى بـ"الربيع العربى"، والذى بدأ فى تونس عبر الإطاحة برئيسها الأسبق زين العابدين بن على، والذى لم يستطع المقاومة لمدة أطول بكثير عن موراليس، لتلهم شرارة "الفوضى" فى الدول الأخرى، لتصبح المنطقة بأسرها أسيرة للفوضى التى وصلت إلى حد الحرب الأهلية كما هو الحال فى سوريا، وكذلك سيطرة التنظيمات الإرهابية على مناطق واسعة لتأسيس دولتهم المزعومة.
وهنا يثور التساؤل حول مستقبل أمريكا اللاتينية فى المرحلة المقبلة، بعدما أطاح النشطاء بالرئيس البوليفى، خاصة وأن تلك المنطقة ليست بعيدة عن الكثير من المعطيات الأخرى، التى شهدتها منطقتنا، وعلى رأسها أنها أصبحت محلا للتنافس الدولى بين واشنطن وموسكو، وهو ما بدا واضحا فى المواقف الأمريكية والروسية المتعارضة حول الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو، والذى تدعمه روسيا، بينما أعلنت إدارة ترامب اعترافها بغريمه خوان جوايدو رئيسا انتقاليا للبلاد فى بداية هذا العام، وهو ما دفع الولايات المتحدة وروسيا إلى إرسال قواتهم العسكرية إلى المناطق المحيطة بكاراكاس، فى مشهد ينذر باحتمالات تكرار المشهد السورى.
المعطيات المتقاربة بين أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، لا تقتصر على التنافس الدولى على المنطقة، وإنما امتدت إلى كونها هدفا للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش، والذى يسعى نحو ما يمكننا تسميته بـ"المناطق الرخوة"، لإعادة تأسيس دولته المزعومة من جديد، بعد الخسائر المتلاحقة التى تكبدها مؤخرا، وآخرها مقتل زعيمه أبو بكر البغدادى فى سوريا.
وبعيدا عن التحليلات، فإن الواقع يرصد رغبة داعش الملحة فى الدخول إلى تلك المنطقة، وهو ما يبدو واضحا فيما نشرته صحف لاتينية، حول قيام التنظيم الإرهابى بإطلاق أكثر من 3 ملايين رسالة تهديدية عبر الإنترنت باستهداف دول أمريكا اللاتينية فى المرحلة المقبلة، فى انعكاس صريح لرغبة التنظيم ليس فقط فى إيجاد منطقة جديدة، ولكن أيضا فى الاقتراب من الأراضى الأمريكية، وذلك لتنفيذ عمليات قوية بالداخل، خاصة مع حالة الفوضى الأمنية التى تعانيها المناطق الحدودية، فى ظل تدفق المهاجرين غير الشرعيين، والذين يمثلون فرصة لعناصر التنظيم للتسلل وسطهم إلى الداخل الأمريكى.
ربما تحتفل بوليفيا اليوم بسقوط النظام، ولكن يبقى التساؤل ملحا عن المستقبل بالنسبة لمنطقتها بأسرها، خاصة وأن التجارب الأخرى فى المناطق الأخرى بالعالم، لا تنبئ بأن سقوط الأنظمة الحاكمة لا يحقق الإصلاح، بل أنه قاد البلدان لسنوات من الفوضى التى لا يعلم مداها إلا الله.