"وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"، تلك الآية المعجزة، التى وردت فى سورة النحل لتدلل على ما أعطى الله للإنسان من فيض نعمه التى لا يستطيع أن يحصيها، وقد ذكر المفسرون والعلماء أن لفظ "نعمة" جاء مفردا، ليدلل على أن النعمة الواحدة بداخلها نعم كثيرة، بما يؤكد أن النعم التى منّ الله بها على خلقه لا يمكن عدها، بل لا يمكن اكتشاف بعضها، فلعلنا نشكر ونتعظ.
لا شك أن المرض محنة وابتلاء من الله، إلا أنه دافع نحو تقدير قيمة الصحة، وطريق نحو إحصاء النعم التى منّ الله بها علينا، فما كانت قصة أيوب عليه السلام عندما بلغ عنها القرآن الكريم حين قال " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" إلا للاتعاظ والعبرة، ورغم طول مرض أيوب ورحلته القاسية، إلا أن استجابة الله كانت حاضرة وسمع شكوته وأناته وكانت النتيجة الفاصلة من فوق سبع سماوات: "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ".
تأثرت كثيرا بقصة الفنان الشاب رامى جمال، الذى قرر فجأة أن يعتزل الفن أو يبتعد عنه بعد مرضه بـ"البهاق"، وهو أحد الأمراض المناعية الصعبة، التى تصيب الجلد وتؤثر على مظهره الخارجى، خاصة إن كان فى الوجه أو اليدين، ربما كان ما أعلنه الفنان الشاب من باب النداء حتى ندعمه ونشد على يده ونقدم له العون والنصيحة، ولكنى أدعوه أن يتماسك ويواجه المرض ويبحث عن العلاج، ويحمد الله على ما ابتلاه، حتى تكون قدرته على المواجهة وفرص علاجه أكبر وأوفر.
أدعم بكل قوة رامى جمال، الذى لا أعرفه، وأدعو له أن يمن عليه بالشفاء العاجل، وأتمنى أن يدعوه أساتذة الطب فى الأمراض الجلدية إلى العلاج السليم، الذى يتناسب مع حالته الصحية، دون أن يتحول الأمر إلى مجرد تعاطف وتريند على السوشيال ميديا، وعليه أن يكون أيقونة لكل مرضى البهاق فى مصر، الذين قد يمرون بمثل ظروفه وحالته، فلا يمكن أن ننصحهم بأن يلتزموا منازلهم ويتركوا أعمالهم ويعتزلوا الدنيا بسبب ما أصابهم.
رامى جمال أنت سند قوى لكل مرضى البهاق فى مصر، ويمكنك أن تدعم نفسك وتدعمهم بأن تغير الصورة الذهنية عن هذا المرض غير المعد، وأن تكون سفيرا لهم ودليلا لشفائهم أو التخفيف عن آلامهم النفسية والمعنوية، وبذلك نتمكن من إزالة وصمة هذا المرض، ونقديم نموذج إيجابى للمجتمع.
رسالتى إلى رامى جمال، ربما كان ابتلاؤك بمرض البهاق، رسالة لتربط على قلوب آلاف الأطفال والشباب الذين يصابون سنويا بهذا المرض ويدخلون بسببه فى حالات اكتئاب وقلق مستمرة، ويترك بعضهم عمله، أو يمتنع عن الذهاب إلى المدرسة والجامعة، أو يدخل فى خندق العزلة والابتعاد برغبته عن الجميع، لذلك فأنت محمل بمسئولية كبيرة، وعليك أن تخرج من دائرة المرض إلى دائرة الرمز والقدوة.