الإسلام وأوروبا حكاية طويلة تكتسب فى كل يوم فصولا جديدة لكنها فى مجملها فصولا ليست لصالح الجميع، أحيانا يحدث نوع من محاولة التقارب والفهم لكن الغالب على العلاقة هو التوتر والخوف والعدائية، فالمنهج الاستعمارى الذى يتبناه الغرب والذى بالتأكيد يترك أثره السلبى على أبناء الإسلام من ناحية والتشدد الدينى المنتشر فى الشرق خاصة فى الآونة الأخيرة جعل اللحظات التى تمر بسلام بين الفريقين قليلة جدا، وعادة ما يكون سكونا خطرا يتبعه انفجار قريب واصطدام حتمى، وفى الفترة الأخيرة وبعد التفجيرات التى أصابت قلب أوروبا خاصة فرنسا ومن بعدها بلجيكا زاد الحديث عن اللإسلاموفوبيا الذى أصبح مادة للصحف والإعلام الغربى والشرقى، وخرج علينا الأزهر الشريف بمحاولات للتصدى لهذه الحالة، لكن قبل التصدى علينا التعرف على حالة الارتباك المصاب بها الغرب ناحية الإسلام.
ويمكن التعرف على الربكة الغربية من خلال موقفين متناقضين لحكومة فرنسا التى تعد من أكثر البلدان الأوروبية تعرضا لقضية الإسلاموفوبيا، فبالأمس القريب صرح رئيس الوزراء الفرنسى مانويل فالس لصحيفة «ليبراسيون» الفرنسية بـ«أن الإسلام دين عظيم فى العالم وهو ثانى أكبر ديانة فى فرنسا، وأنه يتوافق مع قواعد الديمقراطية والجمهورية والمساواة»، لكن قبله بأيام قليلة كانت هناك تصريحات مناقضة لواحدة تنتمى للحكومة نفسها هى وزيرة حقوق المرأة لورانس روسينيول، حيث قالت فى تصريحات تليفزيونية «بالطبع هناك نساء يخترن ارتداء الحجاب فقد كان هناك أفارقة زنوج وأمريكيون زنوج يفضلون العبودية، وأعتقد أن هؤلاء النساء الكثيرات منهن متشددات فى الدفاع عن الإسلام السياسى، وأواجههن كمتشددات لمشروعهن الاجتماعى وما يمثلن».
وهذا التناقض فى الأراء الذى رأيناه داخل مؤسسة أوروبية واحدة يكشف قدرا كبيرا من الارتباك فى فهم الآخر الذى يتعامل معه الأوروبيون، وهذا الارتباك بالتأكيد هو السائد فى الشارع الفرنسى وقياسا عليه فى الشارع الأوروبى وقياسا آخر فى الشارع الغربى، ومن قراءته وقراءة سياقه المحيط به نعرف أن الوزيرة الفرنسية أرادت أن تغازل فئة من شعبها تعرف أنه الأغلبية، بينما رئيس الوزراء الفرنسى يهمه أكثر حالة الاستقرار العامة وذلك لا يعنى أنه مقتنع بما يقوله.
عندما ندرك هذه الحالة المسيطرة على الإنسان فى أوروبا نعرف أن مشكلتنا فى محو الصورة السلبية للإسلام صعبة بعض الشىء، لأنها ليست مرتبطة بجدال فكرى، لكن المتطرفين كل يوم يلقون حطبا جديدا فى النار الموقدة، لذا الأمر فى حاجة إلى استراتيجية طويلة الأمد شرط ألا يصيبنا اليأس.