يعتبر الاقتصاد غير الرسمي ظاهرة اقتصادية واجتماعية وسياسية، تعاني منها وبدرجات متفاوتة كل أنواع الاقتصاديات في العالم، ولسنوات عديدة بدأت منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وساد الاعتقاد بأنه من خلال الربط بين السياسات الاقتصادية وبين الموارد الاقتصادية المتاحة للدول سيساهم ذلك بأن تتحول اقتصاديات الدول النامية إلى اقتصاديات أكثر ديناميكية تستطيع أن تستوعب الاقتصاد الرسمي، مع مراعاة أيضًا أن الاقتصاد الرسمي ينمو ويستطيع أن يستوعب أكبر قدر ممكن من العمالة، لكن الواقع أثبت عكس ما تم التخطيط له، حيث لم تتمكن العديد من الدول النامية من تطوير اقتصادياتها بشكل يمكنها من توفير فرص عمل كافية لسكانها الذين يتزايدون بسرعة أكبر من معدلات النمو الاقتصادي بها، وهو ما جعل مظاهر الاقتصاد غير الرسمي تزداد وتنتشر بصورة أكثر. إلا أن الاقتصاد غير الرسمي تزداد أهميته من خلال ما يمثل حجمه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة، فعلي سبيل المثال في عام ٢٠١٥ بلغت نسبة الاقتصاد غير الرسمي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لحوالي 33.7٪ لما يقرب 145.
ويشكل الاقتصاد غير الرسمي مصدرًا مهمًا لفرص العمل وتتنوع فيه العمالة من أطفال ونساء وشباب ومسنين، ولعل هذا ما قد يزيد من حجم الأعباء الاقتصادية على واضعي السياسات الاقتصادية للدول من خلال ضرورة توفير سبل العيش الكريم وتوفير العمل اللائق والظروف الصحية والتأمينية الجيدة والمنافع الاجتماعية الأخرى، ولاشك أن الاقتصاد غير الرسمي يرتبط بشكل وثيق بأنشطة الاقتصاد الرسمي في إطار العولمة الاقتصادية التي تمخضت عنها حالة من احتدام المنافسة بين الشركات وتوجهها نحو البحث عن تحقيق الكفاءة بأقل تكلفه، ما يدفع نحو التوجه للاعتماد على العمالة قليلة التكلفة وهذا ما يتيحه الاقتصاد غير الرسمي كالتعاقد من الباطن والعمل وغيرها من أنواع العمل في ظل محدودية الاقتصاد الرسمي في توليد فرص العمل، ولاشك أنه في ظل تحديات البيئة الاقتصادية العالمية المتسمة بالانفتاح، وتراجع القيود على التجارة والاستثمار يصبح تعزيز القدرة التنافسية الاقتصاديات الوطنية علي السير نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، إلا أن التحدي الأكبر يتمثل في تطور حجم الاقتصاد غير الرسمي، ما يؤثر على مسار وبرامج وخطط التنمية خصوصًا مع ما يفرضه وضع الخطط التنموية من توافر بيانات اقتصادية واجتماعية شاملة يتحقق على أثرها الأهداف التنموية الشاملة في إطار بيئة قانونية وسياسية تستطيع تحقيق خطط التنمية المستدامة.
والحقيقة أن الاقتصاد غير الرسمي لم يكن محط اهتمام الاقتصاديين خلال الأربعة عقود الماضية، حيث إن كل الدول المتقدمة والنامية احتكت بتلك الظاهرة، ومنذ أن تم اكتشاف الاقتصاد غير الرسمي في سبعينيات القرن الماضي ودوره في عملية التنمية الاقتصادية محل نقاش كبيرين، بحيث إنه يعتبر من جهة مصدر للعمل وكسب الرزق للكثير من الفقراء، ومن جهة فإن الاقتصاد غير الرسمي يمثل مجموعة من المشاريع التي تتميز بصمودها ومرونتها خاصة في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ومن جهة ثالثة فإن الاقتصاد غير الرسمي يهدد سلطة وإيرادات الدولة من خلال تجنبه العمدي للقوانين والتنظيمات والضرائب وهو ما يقلص من حصيلة الدولة الضريبية، إلا أنه في الوقت ذاته ارتبط ظهور الاقتصاد غير الرسمي مع بداية ظهور الأنظمة الاقتصادية القائمة على وجود الضرائب، حيث إن ظهور الأنظمة الضريبية فرق بين أنواع الاقتصاد القائم وبذلك انقسم النشاط الاقتصادي إلى شقين.
جزء يدخل في حسابات الدول وهو الجزء الشرعي المعروف، وجزء آخر غير شرعي لا يدخل في حساباتها، وفي هذا الإطار فإن النظام الضريبي في مصر يعتبر من أفضل النظم الضريبية وأقدمها على الإطلاق، حيث كان الجند في الماضي يمرون طوال اليوم في الشوارع ليراقبوا ما يحدث من أعمال وأنشطة اقتصادية ويجمع من عليها الضرائب.
ومن ناحية أخرى، يمثل العاملون بالاقتصاد غير الرسمي أكثر من نصف العمالة في البلدان النامية، على الرغم من أنهم قد يعملون بأجر منخفض ومن دون عقود توظيف أو منافع اجتماعية، لكن قد يمثلون القطاع الأكثر ديناميكية في الاقتصاد، ولاشك أن الزيادة الكبيرة في عدد العمالة غير الرسمية يجعل الأمر أكثر إلحاحًا وضرورة لوضع سياسات عامة محددة ليس فقط لتحسين نوعية الحياة لهؤلاء العاملين، بل لضمان تحقيق التنمية المستدامة أيضًا، وذلك لأن من أساسيات ركائزها القضاء على الفقر، كما أن العمل غير الرسمي قد يكون هو الشكل السائد في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وبشكل عام فإن العمالة في الاقتصاد غير الرسمي يحصلون على دخل أقل، كما أن انتشار ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي قد تكون سببًا قويًا في انتشار ظاهرة الفقر، فمعظم العمالة غير الرسمية ليست لديها حماية كافية من المشاكل الصحية وتعمل في ظروف أكثر خطورة، كما أنها معرضة للفصل بدون أية تعويضات، كما أن ارتفاع حجم الاقتصاد غير الرسمي يؤثر سلبًا على الحصيلة الضريبية للدولة، ومن ثم تنخفض قدرة الدولة على تطوير أنظمة الضمان الاجتماعي، ووفقًا لتقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي فإنه يوجد أكثر من 700 مليون عامل في الاقتصاد غير الرسمي يعيشون في ظروف الفقر المدقع وبأقل من 1.25دولار يوميا، ويلاحظ أيضًا أن أكبر نسبة توظيف العمالة غير الرسمية هي في أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة تصل إلى حوالي 80٪، تليها بلدان جنوب شرق آسيا بنسبة 70٪، وأمريكا اللاتينية بنسبة 52٪، ولعل ذلك يرجع إلى ارتفاع نسب الفقر وتعقد التنظيمات المؤسسية بتلك الدول، وهي جميعها عوامل تشكل أرضية خصبة لنمو الاقتصاد غير الرسمي والعمل فيه، وفي أفريقيا يعتبر الاقتصاد غير الرسمي اهم موفر للوظائف لاسيما بالنسبة للشباب والنساء وذلك أيضا في ضوء الأزمات الاقتصادية العالمية والتى تهدد بمزيد من الضغط على أسواق العمل وتوقعات بوجود نسب قليلة من الوظائف في المستقبل، مما يحتم بضرورة وجود وظائف قابلة للبقاء لصالح الشباب كشرط مسبق لاستئصال الفقر وتحقيق التنمية المستدامه، ووفقا للجنة العمل والشؤون الاجتماعية التابعة للاتحاد الافريقي، فإنة يتم تشغيل النساء بشكل مفرط في الاقتصاد غير الرسمي حيث يشكلن حوالي 92٪ من إجمالي فرص العمل خارج الزراعة مقابل 71٪ للرجال، كما تنتشر عمالة الأطفال في الاقتصاد غير الرسمي وهي تعتبر من ضمن اكثر أشكال العمل خطورة دون التمتع بأي نوع من أنواع الحماية الاجتماعيه، وقدرت منظمة العمل الدولية ان حوالي 217.7مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5سنوات و17سنة يشاركون في عمالة الأطفال عبر العالم، وقد وجد أن حوالي 162.3 مليون طفل من هؤلاء يمارسون اسوء أشكال عمل الطفل، كما يعتبر حوالي 49.3مليون طفل في افريقيا جنوب الصحراء من الناشطين اقتصاديا.
وعلى الرغم من الجوانب السلبية التي يشكلها الاقتصاد غير الرسمي سواء على المستوى الجزئي أو الكلى، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود آثار إيجابية لهذا الاقتصاد، حيث يشكل الاقتصاد غير الرسمي صمامًا للأمن الاجتماعي في فترات الانكماش والأمان الاقتصادية، كما أن له القدرة على تجنب بعض آثار الإجراءات التنظيمية مثل الحد الأدنى للأجور والضرائب، ولعل ذلك ما يعتبر سببا رئيسيا في جعل هذا الاقتصاد أكثر ديناميكية ومن ثم أكثر قدرة على الاستجابة للتغيرات التي تحدث في السوق مقارنة بالاقتصاد الرسمي، وبالتالي تساعد آثار توزيعه محدودي الدخل وهو ما قد يؤدى إلى تخفيض الفروق في توزيع الدخل، كما أن الاقتصاد غير الرسمي يساهم بصورة كبيرة في خلق الوظائف، حيث يتيح أكثر من نصف الوظائف الجديدة في أمريكا اللاتينية على سبيل المثال، ويمثل أكثر من90٪من القوة العاملة في الهند، ويخلق حوالي80٪من الوظائف الجديدة بأفريقيا، كما أن البنك الدولى يقدر أن الاقتصاد غير الرسمي يولد حوالي 40٪ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للدول منخفضة الدخل، كما أن الاقتصاد غير الرسمي يساهم في توليد الدخل، حيث إنه من بين كل ثلاثة مليارات عامل في العالم يجري توظيف حوالي الثلثين أي حوالي 1.8 مليار شخص في الاقتصاد غير الرسمي، كما أن الاقتصاد غير الرسمي يعمل على خلق وظائف للعمالة غير المتأخرة ويخفف التوترات الوظيفية في المناطق الحضرية، كما أنه بناءً على مؤشرات منظمة العمل الدولية، فهناك حوالي 85٪ من فرص العمل الجديدة حول العالم يتم إيجادها ضمن القطاع الحضري غير الرسمي. إلا أنه في ضوء ذلك فإنه تتعدد الآثار التي يحدثها الاقتصاد غير الرسمي على البعد الاجتماعي للتنمية المستدامة وتتجلى صور هذا التأثير من ناحية الضمان الاجتماعي، وظروف الصحة والسلامة بالاقتصاد غير الرسمي، حيث يقدر أن حوالي 50٪ من سكان العالم يعيشون من دون حماية الضمان الاجتماعي، ويعتبر غياب التغطية الاجتماعية والضمان الاجتماعي صفة أساسية في الاقتصاد غير الرسمي ويمثل جانبًا مهمًا من الاستبعاد الاجتماعي، وهو ما يعني ان نمو حجم الاقتصاد غير الرسمي في العالم وفي الدول النامية يعني أن الملايين من الناس قد لا يتسنى لهم الوصول إلى آليات رسمية الرعاية الاجتماعية، كما أنهم قد يفقدون أشكال الحماية الاجتماعية أيضًا، كما تظهر الآثار السلبية للاقتصاد غير الرسمي على البعد البيئي، كما يشكل ضغط المهاجرين تهديدًا على المدن والخضر وبنتها التحتية، وفي المقابل يلعب دورًا مهما في الحد من التلوث من خلال أنشطة إعادة التدوير النفايات التي تتم معظمها في الاقتصاد غير الرسمي، كما يظهر الأثر السلبي للاقتصاد غير الرسمي على البعد المؤسسي من خلال نقص الاعتراف بعمال الاقتصاد غير الرسمي ومؤسساتهم وهو ما قد ينعكس في غياب تمثيل مصالحهم في الخطط التنموية، إلى جانب تأثير غياب الحكم الراشد وبالتالي قد يؤدى ذلك إلى انتشار الفساد بكل مظاهرة وصوره، ما يجعل ادارة الجانب الاقتصادي للاقتصاد غير الرسمي أمر بالغ الأهمية يدخل في إطار ترقية وتطوير القطاع الخاص باعتباره يتكون من وحدات اقتصادية تنتج وتخلق قيمة يجب الاستفادة منها خاصة في مجال تحسين الانتاجية وتشجيع التمويل المصغر وتحسين سوق العمل وكذلك توسيع السلامة والصحة المهنيين لعمال الاقتصاد غير الرسمي، وتصميم برامج للقضاء على عمل الطفل، وكذلك تهيئة مناخ قائم على سياسة السوق وذلك من خلال قيام الحكومات على وضع الضوابط التي تحكم الأنشطة الأساسية للسوق، ولابد أن تكون هذه الضوابط واحدة لجميع الأفراد وذلك لضمان العدالة التي تعد من الأسس الفعالة للاقتصاد السوق، ولعل تلك العملية تعتبر تحديًا كبيرًا أمام واضعي السياسات، حيث إنه إذا كانت هناك مبالغة في وضع وتصميم السياسات الحاكمة لآلية عمل السوق، فإن تلك المبالغة قد ينتج عنها ظهور سوق غير رسمية وتوجه أصحاب الأعمال إليها لما تتضمنه السوق الرسمية من تكاليف باهظة ناتجة عن كثرة الضوابط التنظيمية، مما قد يعد ارضية خصبة لظهور الفساد وانخفاض مستوى الكفاءة.
وفي مصر يساهم الاقتصاد غير الرسمي في توفير فرص عمل لنحو ٦ملايين مواطن، ويزدهر وقت الكساد حيث تضعف القوة الشرائية، وتقدر الحكومة المصرية حجم الاقتصاد غير الرسمي ما بين ٦٠ إلى ٨٠ مليار جنيه، وهناك تقديرات بأنه قد يصل إلى ٢٠٠ مليار جنية إذا ما أضيف إليه حجم الأنشطة غير المشروعة كتجارة المخدرات، ويتسم الاقتصاد غير الرسمي في مصر بالفردية، حيث أن حوالي 92٪ من منشآت الاقتصاد غير الرسمي مشروعات فرديه، وهذه النسبة تفوق مثيلتها على مستوى القطاع الخاص في مصر بلغت نسبة المشروعات الفردية فيه 80٪من المنشآت العاملة في القطاع الخاص، ويلاحظ أن نسبة وحجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر تزداد كلما زاد البعد الجغرافي عن العاصمة بحيث إنها تكون أقل عرضة للتفتيش والمتابعة والرقابة، كما يلاحظ أن نسبة رأس المال المستثمر في مصر في الاقتصاد غير الرسمي متقاربة، كما يتفوق النشاط الإنتاجي على كل من النشاط الخدمي والتجاري في الاقتصاد غير الرسمي في مصر، حيث بلغت نسبة رأس المال المستثمر في النشاط الإنتاجي في القطاع غير الرسمي نحو 36٪ مقابل 33٪ للنشاط التجاري، و31٪ للنشاط الخدمي، كما أن حوالي 54٪ من الآلات والمعدات في الاقتصاد غير الرسمي في مصر يعتمد على التشغيل اليدوي، في حين يعتمد 37٪ منها على الطاقة الكهربائية، و8٪ على الغاز.
ولعل من أسباب نمو وتعاظم الاقتصاد غير الرسمي في مصر الاختلاف الهيكلي في سوق العمل، حيث شهد سوق العمل خلال العقدين الماضيين تغيرات كبيرة من أهمها ارتفاع عدد الداخلين الجدد في سوق العمل بمتوسط سنوي من 2.6٪خلال النصف الاول من الثمانينات الي حوالي 2.9٪ خلال النصف الاخير من التسعينيات واستمرت تلك النسبة في الزيادة حتى بداية ٢٠١٥، إلا إن ما تقوم به الدولة المصرية الآن من مشروعات قومية وتشجيع للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وإصلاح البيئة التنظيمية والتشريعية والمؤسسية للاقتصاد المصري، ساهم بنسبة كبيرة في استيعاب تلك الزيادة في حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر وساهم في توفير مزيدا من فرص العمل الحقيقة داخل الاقتصاد المصري توفر من خلالها قدرا من الحماية والضمان الاجتماعي لهؤلاء العاملين بشكل يضمن لهم حياة كريمة ولائقة