يُطلق المال عموما ويراد به كل ما يصح أن يقع عليه اسم المِلْك، وبذلك يشمل سائر الأعيان والمنافع؛ ففى تقسيمات الملكيات التى تقع على الممتلكات، قسم العلماء الملكية إلى نوعين: ملكية خاصة، وملكية عامة، ووضعت الشريعة أحكاما فارقة بينهما، بحيث لا يتداخلان فى شىء، فعلى هذا فالمال العام هو ما يملكه مجموع الأمة، ولهم حق فيه، كالمرافق العامة، والموارد الطبيعية، وأموال الوقف، وأموال صناديق الجمعيات، وأموال النقابات، وأموال النوادى والشركات والمؤسسات، بخلاف المال الخاص.
والواقع أن نظرتنا للمال العام تحتاج إلى ثقافة خاصة عالية، تدرك بها حرمته وقدسيته وتعاليه عن نظرتنا إلى ما نملكه ملكية خاصة، وهذا يحتاج إلى تربية خاصة تدرك بها هذه الحرمة للمال العام، يكون الضمير الإنسانى فيها هو الرقيب المهيمن على الحماية لهذا المال، وهذا الضمير ينمى ويقوى من خلال تعميق وازع الإيمان فى النفوس، ومن خلال سلطان القانون وقوة تطبيقه.
ومن جُملة ما وضعت الشريعة من أحكام ما يتعلّق بـ«المال العام» من حيث ماهيّته، وحدود التصرف فيه، ومجالاته، ووسائل حفظه وتنميته وتوجيهه الوجهة الصحيحة بما يعود على مجموع الأمة بالنفع والمصلحة.
ووضعت الشريعة أحكاما فقهية مترتبة على المال العام، منها: حرمة سرقته، أو الاختلاس منه، أو التبذير فيه، أو إتلافه، أو تسخيره لفوائد شخصية، أو التعامل معه على أنه ملكية خاصة يمكن للإنسان أن يتصرف فيه كيما يشاء.
ففى الإمام صحيح مسلم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خطب فى أصحابه يومًا، قائلًا: «من استعملناه على عمل ورزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول، والذى نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئا –أى من المال العام- إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر»، ثم قال: «اللهم، هل بلغت؟».
والمعنى المقصود أنّ لكل شخص موارد ذاتية «كراتبه الشخصى، وأمواله الخاصة، وممتلكاته العينية» فمتى ما جار على شىء من أموال الناس العامة أتى يوم القيامة يحمل وزر ذلك كُلّه.
وقد ورد نفس المعنى فى سياق الغُرم والخيانة فى المغنم فى القرآن الكريم؛ حيث قال ربنا تبارك وتعالى: «وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ» «آل عمران: 161»، وأصل الغلول الخيانة مطلقًا، لكنها مخصصة فى الاستعمال الشائع فى الخيانة الماليّة؛ لأنها مخفيّة عن أعين الناس، فكأنه شبهها باليد المغلولة أى المحبوسة التى قيدها الذنب فصارت خائنة.
فالعامل أو الموظف نائب ووكيل عن المالك فى التصرف وهو أمين فيما تحت يده، فإذا سخَّر ما تحت يديه لأغراضه الشخصية يكون خائنًا للأمانة، وقد حذر الله سبحانه وتعالى من ذلك بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» «الأنفال: 27»؛ لأنّ الممتلكات العامة التى يقدر الإنسان على التصرف فيها دون رقابة من أحد عليه هى فى يده على سبيل الوديعة، ويده فيها يد أمانة كما ينص الفقهاء، فمن فرّط فى شىء منها أصبح خائنًا.
وليس هذا فحسب بل ينضمّ إليه –أيضًا- الإهمال المُتعمّد للمعدّات أو أدوات العمل، كمن يترك آلة الإنتاج عاطلة دون إصلاح، أو من يترك الخامات حتى تفسد، كل هذا يدخل فى نطاق خيانة الأمانة بسبب إضاعة المال، وقد نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك، كما فى الصحيحين: «إنّ الله كره لكم إضاعة المال».
وقد شاع –للأسف- لدى قطاع كبير من الناس، عن أنّ ما يقع عليه اسم «الملك العام» فهو مستباح ومَشاع يمكن أن يأخذ منه ما يريد، أو يُفسده دون محاسبة، فهذا من التصورات الفاسدة؛ لما له من آثار سيئة على الفرد وعلى المجتمع بأسره، وقد نظّم القانون المصرى - منطلقًا من قواعد الفقه الإسلامى- العقوبات المترتبة على إتلاف المال العام.
وهذا من جملة ما يتعلق بنظرة عاجلة فى علاقة الموظف العام فيما أنيط به وكان تحت يده، ومسؤوليته عن وظيفته العامة على وجه العموم.