يبدو أن الفاتيكان أصبح طرفا فاعلا فى المعادلة الدولية فى السنوات الأخيرة، خاصة منذ صعود البابا فرنسيس إلى السدة الباباوية، فى عام 2013، ربما ليستعيد الكرسى الرسولى قوته الناعمة، والتى افتقدها فى ظل وجود سلفه بنديكت، والذى اتسم بنزعته المحافظة، والتى ساهمت بصورة كبيرة فى خسارة الكنيسة الكاثوليكية لقدر كبير من نفوذها الدولى، والذى طالما تمتعت به لعقود طويلة من الزمن.
ولعل أكثر ما نجح فيه البابا فرنسيس، منذ تنصيبه على عرش الكرسى الرسولى، هو نجاحه المنقطع النظير فى إصلاح خطايا سلفه، وعلى رأسها حالة الانغلاق، والتى ساهمت فى قطع الروابط بين الكنيسة الكاثوليكية، والعديد من المؤسسات الدينية الأخرى، وبالتالى تقويض دورها العالمى، وهو ما بدا على سبيل المثال فى التطورات التى شهدتها العلاقة بين الفاتيكان والأزهر الشريف، كذلك حرص فرنسيس على الإلتقاء برؤساء وممثلى الديانات الأخرى، كلقائه الأخير مع البطريرك الأعلى البوذى خلال زيارته لتايلاند.
البابا فرنسيس نجح إلى حد كبير فى التفوق على أسلافه فى زيادة دائرة الانفتاح الكاثوليكى، حيث امتدت علاقاته القوية بين الجزيرة العربية، وهو ما تجلى فى زيارته التاريخية للإمارات، إلى أفريقيا الوسطى، والتى شهدت صراعا داميا لسنوات طويلة على أساس دينى، حيث التقى خلالها بعدد من القيادات الإسلامية، فى بادرة سلام تحمل دعوة لوقف العنف، ليقدم نفسه كأحد أكبر دعاة السلام فى العالم.
إلا أن دعوات فرنسيس للسلام لم تقتصر بأى حال من الأحوال على العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية، والديانات الأخرى، وإنما امتدت إلى القضايا السياسية والتى ارتبطت إلى حد كبير بالجانب الإنسانى، حيث وضع على عاتقة مسألة قبول اللاجئين، واحترام حقوقهم، كأولوية قصوى، بينما تأتى مسألة الانتشار النووى كأولوية أخرى، على أجندة الكرسى الرسولى خلال حقبة فرنسيس، وهو ما بدا فى حرصه على زيارة مدينتى هيروشيما ونجازاكى خلال الزيارة التى يقوم بها حاليا لليابان، بالإضافة إلى رسالته التى أعلنها من هناك للتأكيد على ضرورة التخلص من الأسلحة النووية.
وهنا يمكننا القول بأن البابا فرنسيس نجح إلى حد كبير فى استعادة دور الفاتيكان، عبر التحرك على مسارين، أولهما قدرته على الانفتاح على الأخر، والثانى هو تركيزه على القضايا الإنسانية ذات الطابع السياسى، وهو الأمر الذى أضفى شعبية كبيرة له، ليس فقط بين رعايا الكنيسة ولكن فى كافة المجتمعات، ليستعيد العرش الرسولى قدرته على استقطاب قادة العالم من جديد، الذين حرصوا على زيارته ربما ليساهم ذلك فى زيادة شعبيتهم، أو للحصول على مباركته للقيام بدور أكبر على المستوى الدولى.
دور فرنسيس البارز دفع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على زيارة الفاتيكان فى أول جولة خارجية له بعد تنصيبه، ليلحقه بعدها بسنتين منافسه الروسى فلاديمير بوتين، فى ظل منافسة تبدو محتدمة بين إدارتى واشنطن وموسكو حول ما يمكننا تسميته بقيادة العالم المسيحى، فى حين أن الفاتيكان لم تكن بعيدة عن رؤية الدول المارقة، وعلى رأسها كوريا الشمالية، والتى حرص زعيمها كيم جونج أون قبل أكثر من عام على دعوة البابا لزيارة بلاده، لإدراكه بأهمية الدولة الكاثوليكية، وقدرتها على المساهمة فى دعم رغبته فى الانفتاح على العالم، وذلك بعد نجاحه فى عقد القمة الأولى مع ترامب فى سنغافورة.