أثارت زيارة البابا تواضروس لملك السعودية الكثير من الجدل، تعتبر أول لقاء يجمع بين العاهل السعودى وبابا الكنيسة الأرثوذكسية، وحملت تلك الزيارة الكثير من الجدل ومليئة بالدروس والعبر، أولها موجة للتيار السلفى الوهابى فى مصر الذى دأب مشايخه على ازدراء المسيحية والكنيسة وفق عشرات الفتاوى الموثقة والمسحلة على مواقعهم، كما أنها تطرح السؤال الجوهرى عن التسامح من قبل الملك والبطريرك كيفية الحديث عن حرية العبادة للمسيحيين فى المملكة، وإمكانية بناء كنيسة هناك، ولعل عدم استقبال البابا لخادم الحرمين فى المقر البابوى أو الكنيسة، وعدم الإمساك بالصليب بيده يحمل تسامحا لابد أن يقابله تسامح آخر.
ويعتبر ذلك اللقاء أخطر ما حدث من لقاءات لخادم الحرمين فى مصر، لأنه اللقاء المحرم بين الوهابية والأرثوذكسية. وأقصد الزيارة التى قام بها قداسة البطريرك تواضروس الثانى بابا وبطريرك الكرازة المرقسية إلى العاهل السعودى وخادم الحرمين الملك سلمان، زيارة أثارت الرأى العام الأرثوذكسى والوهابى، وتنوعت الآراء فقطاعات من الأرثوذكس أعربوا عن انزعاجهم من ذهاب البابا بنفسه إلى الملك فى مقر إقامته فى حين ذهب الملك بنفسه إلى الإمام الأكبر شيخ الأزهر فى مشيخة الأزهر، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعى تعبيرات نقدية لعدم إمساك صاحب القداسة للصليب فى يده، كما هو معتاد، وتمت تفسيرات كثيرة من البعض عن أن البابا لا يحمل صليبه إلا فى مقابلات المسيحيين، وكان السجال الوهابى أشد نقدا حول كيفية مصافحة واستقبال خادم الحرمين «لبابا النصارة الكافر»، ووصل القلق السلفى إلى حد أن المقابلة اعتراف إسلامى بالمسيحية الأرثوذكسية المخالفة لرؤية الإسلام «السلفى» طبعا!!
وعلى الجانب الآخر انهارت مقومات قطاعات من النخب المصرية حول ترسيم الحدود بين مصر والمملكة، ونسب جزيرتى «تيران وصنافير» إلى الأراضى السعودية، ومثلما حدث من صدمة للرأى العام المسيحى كانت مفاجأة تيران وصنافر أكثر قسوة للرأى العام المصرى، واستدعت الذاكرة المصرية الأهازيج والأغانى الوطنية الناصرية حول الشهداء والتراب الوطنى، بطريقة لا تقل إيمانية عن «الصليب البابوى»!!
الحقيقة أننى لم أفاجأ بصدمات الرأى العام، لأنه كما يقول المثل الشعبى: «الصراخ على قد الوجع»، والوجع من الرأسين «رأس الدولة ورأس الكنيسة»، جاء كخيبة أمل فى «البابا المصلح»، و«الزعيم المحرر»، ولم يراع أحد ظروف البابا ولا أحوال الرئيس، المصريون تحملوا كل شىء إلا ما اعتبروه بالخطأ أو بالصواب تفريطا فى التراب الوطنى ولمن للسعودية؟! والمسيحيون تحملوا ما لم يتحمله بشر، ولكنهم توقفوا تحت الصليب دون انتظار القيامة، هكذا لعبت الرموز دورا فى الصدمة فى الرموز، كان لابد أن يحمل البابا تواضروس والرئيس السيسى صليبهما، ويمضيان إلى درب الآلام وصولا للجلجثة، كلاهما البابا والرئيس يتلقيان توابع زلزال المحبة الشعبية، وربما مع حبى للبابا والرئيس لم يفهما أبدا أن للحب تكلفة باهظة، ولم يدركا ماهية الحب المحرم للوطن والصليب. غادر الملك سلمان أم الدنيا وجروح أحدثها إبراهيم باشا بن محمد على كنت أظنها اندملت، لكن الذكرة مازالت تنزف من عمق الحجاز إلى تيران وصنافر، وشهداء ذبحوا وهم يحملون صليبهم الربع الخالى أطلوا برؤوسهم من خلف السنين.
معذرة جلالة الملك موجة الإحباط غير موجهة لشخصك أو مملكتك، حاللنى يا صاحب القداسة أنت لم تدرك تكلفة وطنيتك المفرطة، اغفر لى الرئيس المحبوب ليس بالحب وحدة تساس الشعوب، ليس ذنبكم جميعا ولا ذنبى أننى قاتلت من أجل التراب الوطنى، ولا ذنب الشعب المصرى المتعدد الأديان والحضارات، لأن هذا الشعب يغفر، ولكنه لا ينسى.