حالة من التهميش هيمنت على النهج الذى تبناه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجاه وزارة الخارجية الأمريكية، وهو ما بدا واضحا فى العديد من المؤشرات، أولها تخفيض الميزانية المخصصة لها، لصالح وزارات أخرى، وأهمها وزارة الدفاع (البنتاجون)، فى إشارة واضحة لتراجع دور المؤسسة الدبلوماسية الأمريكية فى أجندة الإدارة الحالية، لصالح مؤسسات أخرى أو ربما شخصيات يمكن الاستناد عليهم لتحقيق ما فشل فيه ذراع واشنطن الدبلوماسى لسنوات طويلة من الزمن.
ولعل اختيار ريكس تيلرسون، الذى لا يحمل خلفية دبلوماسية، ليكون أول وزير للخارجية فى عهد ترامب، على حساب عتاة الدبلوماسية الأمريكية، يمثل انعكاسا صريحا لرؤية ترامب غير الواثقة بالدبلوماسيين ذوى الخبرة، بالإضافة إلى رغبته فى استغلال علاقاته الشخصية مع قادة دول الخليج، لاستعادة العلاقات التى أفسدها سلفه باراك أوباما، عبر تقاربه مع إيران، والذى أثار قلقا عميقا لدى حلفاء واشنطن الرئيسيين فى منطقة الشرق الأوسط.
وبعد إنجاز المهمة أطاح ترامب بتيلرسون، ليخلفه مايك بومبيو، والمعروف بنزعته "الصقورية"، بالتزامن مع القرار الأمريكى بالانسحاب من الاتفاق النووى، ليصبح إخضاع طهران الهدف الرئيسى وراء التعديل الوزارى الأمريكى، خاصة وأنه جاء مع تعيين جون بولتون، والمعروف بعداوته لإيران، فى منصب مستشار الأمن القومى، وهو ما ترجمته الإدارة الأمريكية فى الأشهر التالية فى العديد من القرارات المتواترة، والتى شملت فرض عقوبات اقتصادية على الدولة الفارسية.
وهنا يمكننا القول بأن الإدارة الأمريكية الحالية تتعامل مع وزارة الخارجية بما يمكننا تسميته بسياسة "قطع الشطرنج"، حيث يصبح وزير الخارجية مسئول عن القيام بمهمة بعينها، وهو ما يبدو واضحا فى تهميش الوزير المسئول عن العديد من الملفات الحساسة، فى الوقت الذى يتم فيه تصعيد شخصيات أخرى، بعيدة عن حقل الدبلوماسية للقيام بأدوار مؤثرة فى السياسة الخارجية.
فعلى سبيل المثال، نجد أن نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس كان رئيسا للوفد المشارك فى مؤتمر وارسو، والذى انعقد فى أوائل العام الجارى، على مستوى وزراء خارجية الدول الحلفاء لواشنطن، لبحث تأسيس تحالف دولى لمواجهة المخاطر الإيرانية، كما أنه ألقى كلمة واشنطن حول فنزويلا أمام مجلس الأمن الدولى، فى اجتماع لوزراء الخارجية، فى إشارة صريحة لتهميش وزير الخارجية.
يبدو أن تصريحات بومبيو كذلك لا تروق كثيرا للرئيس ترامب، وهو ما بدا واضحا فى حديثه عن زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، والذى سبق وأن وصفه بالديكتاتور، فى أعقاب القمة الأولى التى جمعت الرئيس الأمريكى بنظيره الكورى الشمالى فى سنغافورة فى يونيو من العام الماضى، وهو ما أثار استياء بيونج يانج، لتطلب استبعاد وزير الخارجية من أية مفاوضات مستقبلية بين البلدين، لتقتصر على مستوى زعيمى البلدين.
علاقة ترامب بوزارة الخارجية تبدو محلا للجدل إلى حد كبير، حيث أنه صار يعتمد على أذرع بديلة، لتحقيق أهداف بلاده الدبلوماسية، فى الآونة الأخيرة، وهو ما يمثل إيمانه بفشل الدبلوماسيين الأمريكيين فى تحقيق أهداف بلادهم لسنوات طويلة، وهو ما بدا فى هجومه على هيلارى كلينتون، خلال حملته الانتخابية، منطلقا من فترة وجودها على رأس وزارة الخارجية.