عانى قاسم أمين (1863 – 1908) كثيرًا فى حياته وبعد رحيله أيضا، لقد حمله البعض فوق ما يحتمل، وراحوا يقدمونه لنا، نحن الذين نتشكل على مهل، على أنه صانع الفتنة فى مصر، كان اسمه وبعد عشرات السنين على رحيله يأتى مصحوبا فى الهجوم عليه، ولم تكن ثقافة التنوير قادرة على الدفاع عنه، كم مرة هاجموه من فوق المنابر وفى الدروس الدينية دون تريث أو هوادة.
كان قاسم أمين قد أصدر كتاب "تحرير المرأة" فى عام 1899 ومن وقتها صارت سيرة الرجل مطاردة، وعندما قرأت الكتاب بعد ذلك تيقنت أن كل من هاجم "قاسم" لم يقرأ الكتاب.
يقول قاسم أمين فى مقدمة الكتاب "سبق لى البحث فى الحجاب بوجه إجمالى فى كتاب نشرته باللغة الفرنساويَّة من أربع سنين مضت، ردٍّا على الدوك داركور، وبينت هناك أهم المزايا التى سمح لى المقام بذكرها، ولكن لم أتكلَّم فيما هو الحجاب، ولا فى الحدِّ الذى يجب أن يكون عليه، وهنا أقصد أن أتكلَّم فى ذلك".
وأضاف قاسم أمين "ربما يتوهم ناظر أننى أرى الآن رفع الحجاب بالمرة، لكن الحقيقة غير ذلك؛ فإننى لا أزال أدافع عن الحجاب، وأعتبره أصلًا من أصول الأدب التى يلزم التمسُّك بها، غير أنى أطلب أن يكون منطبقًا على ما جاء فى الشريعة الإسلاميَّة، وهو على ما فى تلك الشريعة يخالف ما تعارفه الناس عندنا؛ لما عرض عليهم من حب المغالاة فى الاحتياط والمبالغة فيما يظنُّون عملًا بالأحكام حتى تجاوزوا حدود الشريعة، وأضروا بمنافع الأمة".
وتابع "الذى أراه فى هذا الموضوع هو أن الغربيين قد غلوا فى إباحة التكشُّف للنساء إلى درجة يصعب معها أن تتصوَّن المرأة من التعرُّض لمثارات الشهوة، ولا ترضاه عاطفة الحياة، وقد تغالينا نحن فى طلب التحجُّب والتحرُّج من ظهور النساء لأعين الرجال حتى صيَّرنا المرأة أداة من الأدوات، أو متاعًا من المقتنيات وحرمناها من كلِّ المزايا العقليَّة والأدبيَّة التى أعُدَّت لها بمقتضى الفطرة الإنسانيَّة، وبين هذين الطرفين وسط سنبيِّنه - هو الحجاب الشرعى - وهو الذى أدعو إليه".