لعبت جماعات التطرف الدينى على عواطف الشباب من خلال مصطلحات زائفة، ظاهرها فيه شحذ الهمم وباطنها من قبله الفساد والإفساد والضلال والبهتان، ومن هذه المفاهيم التى تاجرت بها جماعات التطرف الدينى مفهوم (الصحوة) كمصطلح تنظيرى لجماعة الإخوان الإرهابية ومن سار فى ركابها من الجماعات المتطرفة.
والصحوة فى منظورهم هى صحوتهم هم، لكن ضد من؟ ضد أوطانهم!! قصد إضعافها وتمزيقها وتفكيك بناها الوطنية بغية الاستحواذ على السلطة، لأن هذه الجماعات لا يمكن أن يكون لها وجود فى ظل أى دولة قوية صلبة متماسكة، فهى لا تقوم إلا على أنقاض الدول، ومصلحة الجماعة عندهم فوق الدولة، ومصلحة التنظيم فوق الأمة، وفوق الدنيا وما فيها، سلاحهم الكذب وبث الشائعات والأراجيف والزور والبهتان، وغايتهم الهدم والتخريب، فهم لا يحسنون سوى الهدم أما البناء والعمران فهيهات هيهات.
على أن استحلال عناصر وأبواق هذه الجماعات وكتائبها الإلكترونية للكذب وبث الشائعات والافتراءات، وتشجيع قياداتها لذلك، وتحصن الكثير منهم خلف حسابات وهمية هو عين النفاق، وأكبر إساءة إلى الإسلام فى تاريخه، بما يؤكد أنهم قد وصلوا إلى أقصى درجات الانسلاخ من الإنسانية السوية، فقد سئل أحد النقاد عن أهجى وأقسى بيت قالته العرب فى الهجاء، فقال قول جرير :
إن يغدروا أو يجبنوا *** أو يبخلوا لا يحفلوا
يغدوا عليك مرجلين*** كأنهم لم يفــعلوا
وحقًّا كما قال نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إذ لم تستح فاصنع ما شئت"، ناهيك عن دعوة هؤلاء المجرمين إلى العنف واستحلال الدماء واستباحة الأموال، ودعوتهم إلى هدم الأوطان وإشاعة الفوضى، حيث يقول الحق سبحانه: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ"، مما يستوجب كشف كذب هذه الجماعات وعمالتها وخطرها على الدين والوطن .
أما الصحوة الحقيقية فهى صحوة الأوطان والأمم، عندما نعمرها بالبناء والتعمير، ونرى أمتنا فى مصاف الدول المتقدمة، وفى مقدمة الأمم فى مختلف المجالات والعلوم والفنون لا فى ذيلها.
مقياس الصحوة الحقيقى هو فى مدى تقدم الدول علميا واقتصاديا وامتلاك أدوات العصر، الصحوة الحقيقية هى ما نشهده الآن فى الدولة المصرية الحديثة من بناء وتعمير ومشروعات قومية كبرى وعملاقة فى مختلف المجالات، ودخولنا عالم الطاقة النظيفة والطاقة النووية السلمية، وإطلاق طيبة (1) لخدمة الاتصالات العصرية، وأودية التكنولوجيا، وعالم الذكاء الاصطناعي، وسائر مجالات البناء والتعمير.
الصحوة الحقيقية هى صحوة الضمير والقيم والأخلاق، عندما نعمر الدنيا بالتسامح والصدق، بالأمانة والوفاء، بمكارم الأخلاق، بترجمة أخلاق الإسلام وقيمه وتعاليمه السمحة إلى واقع ملموس، فى سلوكنا، ونظافتنا ظاهرًا وباطنا، ونظافة مجتمعاتنا، واحترام النظام العالمى، والعمل على رفعة شأن مؤسساتنا الوطنية داخليا وخارجيا.
الصحوة الحقيقية تكمن فى تعظيم قيم الولاء والانتماء الوطنى، وترسيخ أسس العيش المشترك بين أبناء الوطن دون تمييز على أساس الدين أو اللون أو الجنس، وبث روح الرحمة والتسامح والتكافل بين أبناء الوطن جميعا، وبلا أى استثناءات.