"الحقنة" فى العضل كانت، أو الوريد تمثل فوبيا لدى العديد من الأشخاص - أنا واحد منهم - والمشكلة فيها مرتبطة بفكرة التهيئة والاستعداد، الذى غالبا يخلق حالة من القلق، سواء كان مقدم الخدمة طبيب أو صيدلى أو ممرض، إلا أن الأمر الآن بات أكثر صعوبة، فبجانب تحمل ألم "الحقن"، ظهرت مشكلة جديدة وهى رفض أغلب الصيدليات تقديم الخدمة " الحقن فى الوريد والعضل"، خاصة فى مجموعات المضادات الحيوية الهامة، التى يكون لها رد فعل تحسسى على الجسم، وتتأثر بها مناعة بعض المرضى.
المشكلة أن العديد من المضادات الحيوية الفعالة تحتاج إلى اختبار حساسية، وما إن تذهب إلى الصيدلية سترفض بصورة قاطعة التعامل معك، ولن تقدم حتى "خدمة الاختبار"، وتنصحك للذهاب إلى أقرب مستشفى أو مركز طبى لعمل اللازم، ثم العودة إلى طبيبك لإعطاء الحقنة، كل هذا يتم مع مريض يعانى ارتفاع فى درجة الحرارة قد تصل إلى مرحلة الحمى، أو يعانى من عدوى شديدة فى الدم أو فى الجهاز التنفسى، ويحتاج إلى هذه العائلة من المضادات الحيوية، لكفاءتها فى التعامل مع المرض دون غيرها.
التجربة التى رصدتها فى السطور السابقة ليست إلا مجرد واقع عملى عاصرته خلال الفترة الماضية، عندما وصف لى الطبيب 14 حقنة مضاد حيوى من عائلة السيفالوسبورين، ولم أكن أعرف أن هذه الحقن تحتاج إلى اختبار حساسية، وقد كانت الوصفة الطبية بعد جراحة لإزالة خراج تحت الإبط، وظللت ساعتين كاملتين أبحث عن مستشفى يقدم خدمة اختبار الحساسية، ثم صيدلية أتناقش مع أصحابها وأتوسط عند مديرها، حتى أتمكن من إقناعه "إعطاء الحقنة"، بعد التأكد من أن اختبار الحساسية سلبى والأمر لا يشكل خطورة، إلا أن الرجل كان متخوفا، خاصة أن وزارة الصحة أصدرت قرارا مؤخرا بمنع إعطاء هذه النوعيات من الحقن داخل الصيدليات دون أن توفر البديل العملى.
نقدر تخوف وزارة الصحة على المواطن، ولكن يجب أن يتم توفير بديل آمن، فالقرار لم يحسم المشكلة، فستظل الصيدليات تعطى هذه النوعيات من الحقن، وسيظل الأطباء أيضا يصفونها لمرضاهم، ولن ننجح أبدا فى إقناع الطبيب بإعطاء جرعات الحقن، أو الذهاب إليه يوميا لتحضيرها، فهذا كلام يخالف الواقع ويتعارض مع المنطق، كما أن مجتمع يعيش فيه 100 مليون مواطن، على الأقل مليون شخص يوميا يتعاملون مع الحقن فى أكثر من 75 ألف صيدلية، ولا يمكن أن نترك الأمر على المريض باعتباره الحلقة الأضعف أو نجبره على أن يتعلم " ضرب الحقن" أو أحد من عائلته فالأمر لا يخل من مهارة وخبرة.