شئنا أم أبينا لن نستطيع أن نوقف دورة الحياة، أو نعترض طريقها المتجه نحو صناعة اتساع معرفى غير محدود، وثورة اتصال غير متناهية ستصيب الجميع، هذا الاتساع المعرفى وهذه الثورة الاتصالية أساسهما التكنولوجيا الساعية للتطور فى كل يوم، بينما وسائل الاتصال الاجتماعى الـ«فيس بوك» وأخوته هى منطقة تنفيذها التى تربح كل يوم أرضًا جديدة وجمهورًا جديدًا، ويرجع ذلك لكون هذه المواقع أصبحت إعلامًا موازيًا، ليست دقيقة تمامًا، لكنها أحيانًا تكون بمثابة مراسل صحفى يتحرك فى قلب الحدث، كذلك تحولت إلى مكتبة ثقافية بها آلاف الكتب التى لا نستطيع على المستوى الواقعى أن نصل إليها، وأصبحت أيضًا معرضًا دائمًا للفنون التشكيلية وأحداثها، وقاعة عرض مستمر لأفلام السينما، كل هذا بجانب التواصل الشخصى، وتبادل الآراء، وإعطاء مساحة للعواطف الإنسانية المهمة، وعلى رأسها التنفيس والمشاركة المجتمعية فى الفرح والحزن، لذا عندما يطالب البعض بمنع الـ«فيس بوك» مثلًا أو بتقنين استخدامه بحجة تهديده للسلم العام، وأن يكون الدخول إليه عن طريق الرقم القومى، فإن ذلك بالتأكيد سوف يأتى بنتيجة عكسية لما هو موجود فى أذهان المطالبين بهذا التقنين.
أمر التحكم فى الـ«فيس بوك» ومراقبته ليس سهلًا، لأن الملايين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعى سوف يشعرون بالقلق والتوتر حال تطبيق هذه المراقبة، والتوتر بالطبع سوف تنتج عنه تصرفات عصبية نحن فى غنى عنها، وحينها ستتحول الدولة والشعب إلى اللعبة المملة «القط والفأر» لكنها لن تكون لعبة مضحكة، بل سيدفع ثمنها الطرفان.
المشكلة فى مثل هذه الأفكار تكمن فى أن الذين فكروا فى هذا التقنين هم بعض نواب الشعب، وبالتأكيد هذه الفكرة جاءت دون دراسة للواقع الاجتماعى ومشكلاته ومتطلباته، ولا للشباب وظروفهم، وبالتالى هذه المطالبة تكشف عن أمر خطير جدًا فى تفكير هؤلاء النواب، هو أنهم يبحثون عن الأفكار البراقة المظهر، لكن لو سألت أحدهم عن إحصائيات أو ظواهر درسها وحللها ونتائج وقف عليها أو مراكز أبحاث للعلوم الاجتماعية تواصل معها وأمدته بالمعلومات والنتائج فلن يجيبك بشىء، وللأسف هكذا يفكر معظم نوابنا، وهكذا يعالجون الكثير من قضايانا، فهم فقط يتحركون تحت مظلة العاطفة، سواء الرضا أو الغضب، وبالتالى لم تحل معظم مشكلاتنا، ولن تحل.
الحياة لا تمل أبدًا تكرار الحكايات، والتاريخ يذكرنا بشكل دائم بالتفاصيل، ونحن لا نتعلم منها شيئًا، فكل المراقبات السابقة باءت بالفشل، وكل المصادرات كانت نتائجها لصالح أصحابها إيجابية زادتهم شهرة وحولتهم لنجوم يجنون ثمن ما حدث لهم، أما الواقع فلم تعد عليه هذه المراقبات والمصادرات بنفع أبدًا.