جدل جديد يضرب العلاقة بين أوروبا الغربية وروسيا، على خلفية اتهامات برلين لموسكو، باغتيال قائد ميداني سابق في صفوف المسلحين الشيشان، يدعى زيليمخان خانغوشفيلي ربما لتعود بها خطوات إلى الخلف، بعدما شهدت العلاقات الروسية، خاصة مع ألمانيا تطورا كبيرا، وغير مسبوق، فيما يتعلق بالتعاون فى مجال الطاقة، وذلك فى إطار محاولات أوروبية لإيجاد بديل قوى عن الدعم الاقتصادى الذى تقدمه واشنطن لحلفائها فى القارة العجوز، والذى قررت إدارة ترامب رفعه عنهم، عبر فرض العديد من الإجراءات الجمركية على الواردات القادمة من بلدانهم.
ولعل الحديث الألمانى عن التورط الروسى فى اغتيال شخص على أراضيها، وإجراءاتها الأخيرة بطرد دبلوماسيين روسيين من أراضيها، يعيد إلى الأذهان قضية مقتل العميل الروسى المزدوج سيرجى سكريبال، والتى أثارتها لندن منذ ما يقرب من عامين، والتى سعت من خلالها لندن حشد دول القارة العجوز، خلفها فى معركتها مع موسكو، فى محاولة لتحقيق قدر من التقارب مع محيطها الجغرافى بعد الشقاق المترتب على قضية "بريكست"، منذ استفتاء 2016، والذى قرر خلاله البريطانيين الخروج من عباءة أوروبا الموحدة.
إلا أن الاتهامات الألمانية لموسكو تحمل فى طياتها اختلافا جذريا عن الجدل البريطانى السابق، نتيجة اختلاف المعطيات بصورة كبيرة، فى ظل حالة الانقسام الراهنة التى ضربت أروقة القارة العجوز، وبالتالى فإن خطوة برلين من شأنها تعميق الانقسام، على عكس التجربة البريطانية، والتى تبنى خلالها الأوروبيون موقفا موحدا بدا محايدا تجاه الأزمة، فى إشارة صريحة تعكس حالة من التخلى الأوروبى عن لندن، بعدما آثرت الخروج من الكيان القارى المشترك، بالإضافة إلى حالة الفشل المستمرة فى التوصل إلى اتفاق مع قيادات أوروبا الموحدة، حول الكيفية التى تتم بها عملية "بريكست".
ويمثل الموقف من روسيا أحد أهم محاور الخلاف والانقسام بين دول أوروبا، فى المرحلة الراهنة، حيث بدت المواقف الأوروبية من موسكو متباينة، ليس فقط على مستوى القارة، ولكن حتى فى داخل الدولة الواحدة، فالموقف الألمانى الأخير جاء بعد انفتاح فى السنة الماضية، على خلفية التعاون فى مجال الطاقة، بينما هناك رغبة فرنسية حالية فى التقارب مع الحكومة الروسية، بعدما وصفها الرئيس إيمانويل ماكرون قبل شهور بـ"الخصم"، فى إطار مبادرته بتأسيس جيش أوروبى موحد.
وهنا تتجلى الأزمة الأوروبية، ليست فقط فى التحديات القادمة من الخارج، وإنما فى عجز القوى الرئيسية بالقارة على التوجه بعيدا عن الفلك الأمريكى، عبر تنويع التحالفات، وبالتالى تمكينها من المناورة، فى مواجهة الضغوط المفروضة عليها من قبل واشنطن، بالإضافة إلى تحول حالة التوحد الأوروبى إلى ما يمكننا وصفه بـ"المنافسة" بين دولها لاسترضاء الإدارة الأمريكية، وهو ما يبدو بوضوح فى تغير وجهة برلين نحو استعداء موسكو.
فلو نظرنا إلى توقيت القرار الألمانى، والذى جاء بعد أيام من قمة الناتو الأخيرة فى لندن، نجد أنه يرتبط إلى حد كبير بالتوجهات الأمريكية الأخيرة، والتى تدور فى معظمها نحو ضرب العلاقات بين أوروبا الغربية وموسكو، حيث فرض الرئيس ترامب أجندته على القمة عبر التوجه نحو الشرق فى محاولة صريحة ليس فقط فى استفزاز روسيا، ولكن أيضا فى توريط أوروبا فى هذا التوجه، بما يساهم فى تراجع العلاقات بين الجانبين فى المرحلة المقبلة.