يبدو أن منحى جديدا لحقوق الإنسان، نجحت الحكومة المصرية فى استحداثه، منذ عام 2014، بعيدا عن الأفكار المعلبة التى سعى الغرب إلى تصديرها لنا منذ عقود طويلة من الزمن، والتى ربطت القضية الحقوقية بمصالحها السياسية، فأصبحت حقوق الإنسان ذريعة للتدخل فى شئون الدول الأخرى، من أجل فرض رؤيتها دون النظر إلى مصالح الشعوب الأخرى، وهو ما أدى إلى حروب ضروس ضربت العديد من المناطق، شهدت انتهاكات حقيقية لحقوق الإنسان.
ولعل الاستخدام الدولى لذريعة حقوق الإنسان شهد تطورا تدريجيا، عبر التلويح بالأقليات الدينية تارة، ثم الحديث عن الأعراق تارة أخرى، ثم نالت المرأة جزءا من الجدل الحقوقى الدولى فى تارة ثالثة، حتى تحول العالم بعد ذلك إلى ما يمكننا تسميته بـ"حقوق الإرهابيين"، وهو ما بدا فى هجوم بعض القوى الدولية على الإجراءات التى تتخذها الدول لمحاربة الإرهاب، سواء عسكريا أو أمنيا، عبر اعتقال العناصر التى تورطت فى أعمال، تمثل فى جوهرها انتهاكا صريحا وحقيقىا لحقوق الإنسان.
ويعد حديث الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال منتدى شباب العالم، والذى تعقد فعالياته هذه الأيام بمدينة شرم الشيخ، عن استخدام التكنولوجيا فى تدمير الدول والشعوب، يعد بمثابة جرس إنذار، ربما ليس جديدا، من مصر إلى العالم، خاصة وأن التطور التكنولوجى الهائل، والذى خلق أساسا لخدمة البشر، كان ذراعا مهما للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش، والتى سعت إلى تجنيد الميليشيات المتطرفة من كل أنحاء العالم، للقيام بأعمال إرهابية، لم يقتصر مداها على منطقة الشرق الأوسط، وإنما امتدت إلى دول الغرب.
وهنا تظهر الحاجة الملحة إلى وسيلة لرقابة المواقع، التى يمكن من خلالها بث أفكار التطرف والإرهاب، والتى تمثل تهديدا جماعيا للأسرة الدولية بأسرها، ووضع الضوابط والقوانين التى يمكن من خلالها الحد من هذه التهديدات وتداعياتها فى المستقبل القريب، بهدف أساسى وهو حماية الإنسان.
وفى الواقع، فإن رؤية مصر الحقوقية تحمل العديد من المسارات، على رأسها تحقيق التنمية الاقتصادية، باعتبارها السبيل الوحيد لتحقيق حياة أفضل، سواء فى الداخل المصرى، أو فى محيطها الإقليمى، وهو ما يبدو فى تعميم التجربة المصرية فى العديد من الدول الإفريقية فى الآونة الأخيرة، كما أن الحرب على الإرهاب، هى الأخرى وسيلة مهمة لحماية المصريين من شرور التطرف والمتطرفين الذين يسعون لفرض رؤاهم المتشددة على المجتمعات.
رؤية مصر لحقوق الإنسان ارتبطت إلى حد كبير بالإنسان بعيدا عن السياسة، فى الوقت الذى مازالت تحاول القوى الكبرى التلويح بها لتحقيق مصالح سياسية، بعيدة كل البعد عن الهدف الذى خلقت من أجله، وبالتالى فإن حديث السيسى من شرم الشيخ يضع المجتمع الدولى فى حرج جديد، بعدما تخاذل مرات عديدة فى حماية البشر فى العديد من مناطق العالم، عبر التخلى عنهم فى أزماتهم، بينما لم يتحرك لمجابهة الأخطار المحدقة بهم، وهو ما يفسر فى جزء منه أسباب التمرد الشعبى لدى قطاع كبير من دول الغرب الأوروبى بعدما شعروا أن حكوماتهم تخلت عنهم تماما بسياسات جاءت لخدمة أهداف وأجندات بعينها على حساب الشعوب، وهو ما يمثل انتصارا للرؤية المصرية فى هذا الإطار.