بقلم / محمد فودة
على الرغم من أننى على قناعة تامة بأننا لسنا فى زمن المعجزات، وأن الأحلام لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تتحقق دون عناء، إلا أننى فى نفس الوقت على يقين تام بأن القدر حينما يفتح أبوابه فإنه لا يكون هناك أى مجال للعقل أو المنطق، وأن الدنيا حينما تفتح ذراعيها فإن ما يمكن أن يتحقق لنا فى غمضة عين يفوق بكثير ما كان يحدث فى الأساطير، بل يتجاوز أيضا كل الأحلام والتصورات التى نرسمها لأنفسنا، لذا يظل القدر شيئا غامضا محيراً لا أحد يعرف ما هو ولا أحد يمكنه أن يهرب منه مهما كانت قوته، وبرغم أن القدر يعاملنى بجفاء دوما تعودت منه العناء والقسوة والتشدد إلا أننى مستمتع بالقدر وأستجيب له، وأثق أنه سيصل بى إلى بر الأمان لأنه فى النهاية هو قدر الله ونحن نؤمن بقضائه.
اليوم فوجئت بالقدر وكأنه يفتح لى طاقة نور تضع بين يدى حب حياتى، تلك الإنسانة الملائكية فى كل شىء، فحينما تضحك أرى العالم كله يضحك ليعزف مع ابتسامتها الصافية لحن الخلود، وحينما أنظر فى وجهها أرى عينيها تلمعان ببريق يخطف قلبى ويذهب بى بعيداً ويحلق فى سماوات العشق والمشاعر الفياضة التى بلا حدود، فينسينى كل هذا الحقد والغل والكراهية التى ملأت القلوب.. حب يأتينى فجأة ليعيد ترتيب حياتى من جديد وسط هذا الظلام الذى أصبح يعشش فى القلوب، هذه الملهمة هى حلمى الضائع الذى ظللت أبحث عنه منذ سنوات، وهى جنية الأساطير العربية الهائمة التى ما أن أراها أشعر وكأننى طفل صغير يعرف بداية اللحظة، ولكن لا يعرف أى شىء عن النهايات.
أراها فأرى كل الجمال وكل الإلهام وكل الخيال، فهى بالنسبة لى تمثل الإلهام والخيال، فهى معجونة من عبق الحب الملائكى الذى هو فى تقديرى سيظل سراً من أسرار الكون.
لقد كان الحب الحقيقى بالنسبة لى هو المنال البعيد الذى لا يتحقق، والذى لا يصفو ولا يهدأ ولا يستقر بى فى أرض الأمان، لكنه دائماً يرمينى فى جزيرة بين البحور السبعة هائما يتركنى أتلوى وأبحث ولا أصل، لكنه اليوم يبدو أنه يتصالح معى ويعدنى بغد أجمل وأحلام شاعرية كنا قد تناسيناها منذ رحيل الرومانسية وزوال الحب الجميل، تعلمناه من قصائد نزار قبانى وأحمد رامى وأغانى أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، اليوم تبدل الحال وصارت الأغانى غير الأغانى وصارت أغانى غريبة عن الأذن المصرية العربية الأصلية التى علمتنا الذوق الرفيع فى كل شىء تتعامل معه، فالمدهش أن نجد اليوم أذواق الشباب وقد تغيرت وتبدلت ومسامعهم انحدرت وتشتت ما بين النغم العربى الأصيل وما بين الموسيقى المستوردة من الخارج، لترى أغانينا المصرية على إيقاعات إسبانية وأمريكية ويابانية، فأصبحت أغانی هذا الجيل وكأنها أغانى "تيك أواى"، مثل الحب فى زمننا الذى أصبح يتحول ويتلون حسب قانون العرض والطلب فى زمن انتحرت فيه المشاعر الصادقة.
أعترف أننى الآن على موعد مع الحب الحقيقى الذى صالحنى مع القدر، إنها حالة تقتحم حياتى بل كل خلایای وتجرى فى عروقى مجرى الدم، هذه الحالة المحيرة تمتلئ بكل التناقصات، فهى الهدوء وهى الشقاء وهى الراحة وهی التعب وهى الأمان وهی عدم الاستقرار، شىء لم أعهده فى حياتی أبدا، لأنه غير كل المعانى وكل الثوابت ورسم صورة مثالية أمام عيونی، ملامح ملائكية راقية فوق مستوى البشر.
لقد صنعت لى البهجة ومسحت بيديها النقيتين كل مفردات السلبية وأعطتنی طاقة إيجابية بعيدة المدى، يمكنها أن تمنح السعادة لكل الناس، وكأن القدر يخبئ لى هذه الفتاة الملائكية، ومعها كل أزهار العالم ومعها كل البراءات، وكل الصباحات الموحية، هذه هى ملهمتى وحبيبتی وروح العمر كله، إننى أغفر لها أى شىء تفعله، لأن بها من الأمن ما يحمی الناس جميعا من خوف وبها من الحنان ما يدفئ العالم كله. أنا لا أجيد السباحة، ولكنى رميت نفسى فى أعماق بحارها، ولا أظن أننى سأغرق، لأن يديك القويتين تحيطانى من كل جانب وستقويان على إنقاذى، لن أغرق وحدى لأنك أنت معى، أنت بكل رقتك وبراءتك وشفافيتك تصبحين قوية جدا حين تجديننى أحاول الإبحار دون سابق معرفة بفنون السباحة فى بحر عيونك، برغم أننى كم سبحت من قبل فى بحار الحب من كل شكل ولون ومعنى، ولكن بحارك اليوم غير كل بحار العالم، هى بحر من العشق أمواجه بلور، كلما زادت تكشف عوالم جديدة لا أعرفها ولا أعهدها ولم أرها من قبل.. حقا أثبت حبك أن الحب سيظل هو المحرك لكل فعاليات العمر هو إكسير الحياة.. إنه الحب الحقيقى.. فها أنا الآن قد سلمت نفسى للقدر ولا مكابرة أمامه. إننى أنتظر ماذا سيقدمه لى وأثق فى حكمه وفى قراره.