مع كل الأمنيات التى نطلبها من 2020، وكل التفاؤل الذى يملأ صدورنا تجاه انتعاش الاقتصاد، وتحسن مؤشرات جودة الحياة لدى المواطن، نطلب السعى نحو العمل بجد، وهنا نضع ألف خط وخط تحت هذه الكلمة، فأغلبنا يعمل، ولكن ما مستوى إتقان هذا العمل، وهل يرتقى أن يضع هذا البلد فى منطقة مختلفة، ومستقبل مختلف، أم أننا مازلنا رهن منطق "الفهلوة" و"الحداقة" و"المفهومية الزيادة" وقل ما شئت من جمل وألفاظ تشير إلى إهدار قيمة العمل.
الدول تتقدم بالعمل لا بشيء آخر، والحكومة أيا كانت قوتها لن يمكنها أن تقدم شيئا دون أن يعرف كل مواطن قيمة العمل ويحرص عليه، انطلاقا من حاسة خلقية تقدر قيمة الوقت والسعى والإنتاج، ولا تعرف منطق التزويغ أو التمارض، أو الإجازات أو فكرة " اشتغل على أد فلوسهم" التى لا نعرفها سوى فى بلادنا للأسف.
الدول لا يبنيها العباقرة أو أصحاب القدرات الخاصة، لكن تبنيها سواعد العمال والطبقات الكادحة، هذه الطبقات يجب أن تعرف جيدا أن المستقبل فى هذا البلد لن يكون إلا للعمل الجيد المتقن، لا " كمالة العدد" أو "سد العجز" أو الوظيفة والسلام كما يطلق عليها أهلنا فى الريف، فهناك مازل بعضهم ينظر للوظيفة الحكومية على أنها مضمونة بجانب عمله فى الحقل، أو على سيارة أجرة أو فى سوبر ماركت، فيعامل وظيفته الميرى باعتبارها النافلة والهامش، وينظر لعمله الخاص على أنه الأساس والأولى بالرعاية، وهذه نظرية يجب أن تسقط ويهال عليها التراب، فالدولة الجديدة والعالم الجديد، الذى بات قرية صغيرة تتواصل جميع أطرفها لا يمكن أن يقبل ببقاء تلك الفئات، فكل هؤلاء سيفقدون وظائفهم بين عشية وضحاها، ولن يبق سوى أصحاب الكفاءات والخبرات، ومن يمكنهم تطوير العمل والسعى نحو التجديد والابتكار.
نحن نحتاج فعليا إلى المعادلة الصينية فى العمل، التى تحمل رقما كوديا 996 ، وهو يعنى العمل يوميا لمدة 12 ساعة من 9 صباحا حتى 9 مساء، لمدة 6 أيام فى الأسبوع، وهذه ليست مجرد أرقام ، بل معادلة صارمة للتقدم وتحقيق نمو مؤثر داخل القطاعات الإنتاجية الرئيسية فى تلك البلد، التى يصل تعداد سكانها إلى ما يزيد عن 1.3 مليار مواطن، وفقا لآخر إحصاء سكانى فى عام 2017، وقد جاء إعلان خطة 996 ردا على الحملة التى أثارتها الهند لمقاطعة بعض المنتجات الصينية، التى تغزو أسواقهم، وقد رد عليهم المسئولون الصينيون بأنه يمكن للهند أن تنجح فى هذه المقاطعة إذا نفذت خطة 996، فلن يحتاجوا بعدها إلى الصين أو أى دولة أخرى.
نحن فى حاجة حقيقية إلى تنفيذ الخطة الصينية فى كل أماكن العمل وقطاعات الإنتاج، حتى نتمكن من الوصول بهذا البلد إلى منطقة مختلفة، فكما ننفذ مشروعات فى أوقات قياسية، ونجحنا فى فترة قصيرة من تأسيس آلاف المشروعات، لخدمة التنمية الشاملة فى الدولة، يمكننا أيضا أن نؤسس لثقافة جديدة فى العمل والإنتاج، تعتمد بصورة مباشرة على تنمية مهارات الفرد وقدرته على تحقيق أعلى معدلات الإنجاز، ويمكننا أن نستلهم التجربة الصينية، حتى نستطيع التخلص من الدولاب الحكومى القديم، الذى يعد نموذجا للروتين والرتابة، ويجعل من العامل قوة بشرية حقيقية، تمثل ضلعا رئيسيا فى مستقبل هذا البلد، ونتخلص من كل النماذج التقليدية القديمة، التى يعمل فيها الموظف من نصف ساعة إلى ساعة يوميا، ويحصل على إجازات تزيد على 150 يوم فى السنة، دون أن نحتسب الإجازات المرضية والتأخيرات وأيام التزويغ والانصراف المبكر.
يجب أن نؤسس لثقافة عمل حقيقية تخدم قدرة مصر على النهوض لتحقيق مستقبل أفضل يضمن لنا البقاء فى هذا العالم الصاخب، الذى لا يعرف إلا معادلة القوة ولا يعترف سوى بالقادرين على المنافسة والعطاء، فمهما كانت قدرة الدولة أو الحكومة على الإدارة والعمل، لن تحقق شيئا إذا غابت عن العامل أو الموظف أو المهندس أو الطبيب أو المعلم ثقافة العمل بمعناها الحقيقى كما تسوقها لنا التجربة الصينية.