اعتمد الديمقراطيون والإعلام الموالى لهم، منذ اليوم الأول، لتنصيب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وربما قبل ذلك بقليل، على تصدير صورة مغلوطة عن شعبيته فى الداخل، عبر حشد التظاهرات الزاخرة باللافتات المناوئة له، فى الوقت الذى حقق فيه الرجل نجاحا مبهرا فى الانتخابات الرئاسية فى 2016، على حساب واحدة من أعتى السياسيات الأمريكية عبر تاريخ الولايات المتحدة، بينما تسابق الإعلام على التقاط صور تلك المظاهرات فى الميادين، وتصديرها على رأس الأجندات الإخبارية، وهو الأمر الذى يعكس محاولتهم لتكرار مشاهد مماثلة فى دول أخرى، دعمتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والتى تبنت نفس الفكر.
ولعل ترويج الحزب الديمقراطى لفكرة الشعبية المتدنية للرئيس، اكتمل باستخدام ذرائع، تعد بمثابة تبريرات لنجاحه الأول على حساب مرشحتهم المخضرمة، وعلى رأسها قضية التدخل الروسى، والتى استمر تداولها داخل أروقة السياسة الأمريكية لأكثر من عامين، حتى قوضها القاضى روبرت مولر، والذى برأ فى تحقيقاته ساحة الرئيس من أى شبهة، بينما فشلوا فى تحقيق أى جديد يذكر، سواء على مستوى الداخل الحزبى، عبر تقديم رؤية جديدة يمكنهم من خلالها توحيد أعضاء الحزب، المنقسمين منذ هزيمة كلينتون، أو على المستوى العام، عبر تقديم برنامج يمكنهم من خلاله إقناع الناخب الأمريكى بقدرتهم على العودة من جديد.
وهنا تبدو معضلة الحزب الديمقراطى، وهى الاعتماد على تصدير الصورة، فى المشهد الإعلامى كدليل دامغ على صدق رؤيتهم، مع بعض التصريحات والاتهامات، وربما الإجراءات، على غرار الحملة الأخيرة التى تقودها نانسى بيلوسى لعزل الرئيس، فى إطار تقليدى بحت، ربما تفوقوا فيه على مشاهد أخرى فى دول تبدو أقل تقدما، اعتمدت على تصدير صور مغلوطة فى الإعلام، فى الوقت الذى يتجه فيه الشارع فى مناحى أخرى، ليصبح الانهيار هو النتيجة الحتمية، لما يمكننا تسميته بسياسة مخالفة الواقع.
حالة العجز الديمقراطى تعكس بجلاء عدم قدرة القيادات القديمة على مجاراة الواقع السياسى الجديد، بما فيه من سرعة وتطور، بحكم الزمن، فى الوقت الذى ركز فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على هدف أساسى يتمثل فى علاج مسببات الألم لدى المواطن، سواء فيما يتعلق بنشر القوات العسكرية، أو البطالة أو المشكلات الاقتصادية أو غير ذلك، ضاربا بمبادئ الصقور الجمهوريين عرض الحائط، فى كثير من الأحيان، وهو ما بدا فى حرصه على تنحية عددا من كبار الصقور فى إدارته، وأخرهم جون بولتون، بالإضافة إلى هجومه المتواتر على السيناتور ذائع الصيت جون ماكين.
ترامب يمثل الرجل القوى الذى يفتقده الديمقراطيون، والذى يمكنه فرض رؤيته، بعيدا عن أى أبعاد حزبية أو سياسية، كما أنه صاحب رؤية مختلفة عن كافة أسلافه من قيادات الحزب، حتى أن الجميع أصبحوا داعمين له، وهو الأمر الذى تلامس معه قطاع كبير من الديمقراطيين الذين رأوا فى بيرنى ساندرز بمثابة المخلص لهم، من القيادات التقليدية، الذين سيطروا على مقاليد الأمور داخل حزبهم لعقود، دون أمل فى التغيير، وهو ما يعد سببا رئيسيا فى حالة الانقسام، والتى ربما تتفاقم إلى انشقاقات كبيرة فى المستقبل القريب.
يبدو أن المعركة الحالية بين ترامب وخصومه الديمقراطيين ستكون بداية لفصل جديد فى التاريخ الأمريكى، حيث أنها قد تشهد نهاية قوى مهمة فى الداخل الأمريكى، وهيمنة قوى أخرى، على مقاليد الأمور، لتتحول الولايات المتحدة إلى دولة الحزب الواحد، أو ربما الرجل الواحد.