ربما كانت وفاة رئيس أركان الجيش الجزائرى أحمد قايد صالح، بعد أيام قليلة من تسليم السلطة للرئيس الجديد عبد المجيد تبون، بمثابة مفارقة مهمة لهذا الرجل القوى، الذى آثر الرحيل بعد نجاحه مباشرة فى حماية بلاده، من أحد أكبر الأزمات فى تاريخها، فى انعكاس صريح للدور القوى الذى تلعبه المؤسسة العسكرية، فى حماية الشعوب والخروج بها إلى بر الأمان، فى مراحل تبقى محورية وحساسة فى تاريخ الأمم.
ولعل نجاح صالح لا يقتصر على قدرته الاستثنائية على فرض قبضته على البلاد فى مرحلة تعد أحد أكثر المراحل حساسية فى تاريخ الجزائر، وحمايتها من مصائر شهدتها دول أخرى بالمنطقة، وصلت إلى حد الحروب الأهلية، وإنما يمتد إلى نجاحه المنقطع النظير فى الانتقال بالبلاد من مرحلة الخطر إلى الاستقرار عبر الالتزام بالدستور، والذى كان بمثابة الوثيقة الوحيدة التى أعلن الالتزام بها منذ اللحظة الأولى لدخوله على خط الأزمة.
فعندما قرر الرجل الانتصار لإرادة ملايين الجزائريين الذين احتشدوا فى الشوارع ضد النظام السابق، أكد التزامه بالحل الدستورى، عبر تفعيل المادة 102، من الدستور الجزائرى، من خلال الإعلان عن عدم قدرة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أداء مهام وظيفته، كما أصر على الالتزام بالدستور بعد ذلك فى مختلف مراحل الأزمة عبر تفعيل آليات الحوار بين مختلف الأحزاب على الساحة الجزائرية، من أجل التوصل إلى حلول حقيقية للخلافات التى تثور فيما بينهم.
احترام قايد صالح للدستور امتد إلى حرصه على إجراء الانتخابات الجزائرية فى أقرب وقت، وهو ما تحقق بالفعل فى ظل الظروف الاستثنائية التى تشهدها البلاد، ليفى بالوعد الذى قطعه على نفسه منذ اليوم الأول الذى ظهر فيه على الساحة السياسية، بينما كان نجاحه الأكبر متجسدا فى قدرته على مجابهة كافة المحاولات التى من شأنها إحداث الوقيعة بين الجيش والشعب، وهى المحاولة التى سعت إليها بعض التيارات من أجل الوصول إلى السلطة، على حساب الدولة ومؤسساتها.
يبدو أن قايد صالح نجح فى أن يضع اسمه مقرنا بلقب "رجل الدستور" فى الجزائر، فى ظل احترامه الكبير للدستور، وسعيه إلى الحفاظ على الشرعية الدستورية، على الرغم من الأزمة الحادة التى هيمنت على بلاده فى الأشهر الماضية، فى انعكاس صريح على قدرة رجال المؤسسة العسكرية ليس فقط على حماية دولهم فى مواجهة التحديات المحدقة بها من الداخل والخارج، ولكن أيضا ليضرب مثلا فى قدرة رجال الجيش على احترام القوانين والدساتير، باعتبارها السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار المنشود.