أنت لا تصنع المحتوى فلا يمكنك أن تصنع وعيا، هذا هو ما يفرضه العصر، وما كان فى السابق، حيث كانت هناك إمكانية دائما لأن نجد فى الإعلام والسينما والمسرح والإذاعة محتوى يجمع بين التشويق والمتعة مع الكثير من الوعى، بشكل غير مباشر، لأن الأعمال الكبيرة هى التى تجمع عناصر النجاح التجارى مع محتواها الثقافى والفكرى.
لايمكن القول إن لدينا حاليا محتوى يمكنه المنافسة وتبدو الساحة خالية لمنتجات تفرض نفسها وتصل إلى عقل المشاهد من دون حواجز، لم نعد نحن الذين ننتج الدراما ولا الوثائقيات ولا البرامج الجاذبة للمشاهدة، ولم نلحق بعد بعالم تطبيقات التكنولوجيا لنمتلك أدوات التأثير، ربما يكون هذا هو ما يجب أن يشغل تفكير القائمين على الثقافة والإعلام والفنون، ليكون لدينا محتوى يمكنه الصمود فى ظل منافسة أنهت سلطة «الريموت كنترول».
المشاهد فى يده الريموت كونترول وهو صاحب سلطة المشاهدة أو التجاهل لأى برنامج أو فيلم أو متحدث، هذه المقولة كانت تنطبق كاملة حتى وقت قريب باعتبار أن المشاهد هو صاحب السلطة المطلقة، لكن هذه السلطة تغيرت بعض الشىء، مع ظهور أدوات التواصل وقنوات مثل يوتيوب أو جوجل بلاى وكافة تطبيقات الشاشات الذكية للتليفونات المحمولة.
صحيح أن المشاهد لايزال قادرا على المشاهدة من عدمه، لكن هناك حالة من التدفق للفيديوهات ومواد المشاهدة، تحظى بخدمة تسويق جيدة، وليست بالضرورة التى يريدها.
تراجعت نسب المشاهدة للقنوات الفضائية لصالح التطبيقات المختلفة فى التليفونات المحمولة، والتى أصبحت تجد مكانها إلى شاشات التليفزيون الذكية فى المنازل من خلال تطبيقات الموبايل نفسه، ففيما يتعلق بالسينما مثلا أصبح فى إمكان مشتركى «نتفلكس»، أن يشاهدوا الفيلم فورا من دون انتظاره للعرض فى دور العرض، أو يشاهدوا الفيلم فى الوقت الذى يريدونه وليس فى مواعيد ثابتة مثلما تفعل قنوات الأفلام الشهيرة التى ظهرت فى العقدين الأخيرين، مثل «2 أو one» وغيرها من القنوات.
تراجعت هذه القنوات لصالح تطبيقات باشتراكات رمزية، وبعض هذه التطبيقات تمنح المشاهد شهرا أو أكثر كتجربة مجانية تسحب المشاهد خطوة وراء خطوة. ثم إن المشاهد يدفع فى هذه التطبيقات أقل كثيرا مما كان يدفعه فى باقات القنوات الفضائية المدفوعة، هذه التطبيقات منحت المشاهد سلطة آخرين، وأيضا انتزعت لنفسها حق تحديد خيارات هذا المشاهد، من خلال التسويق المسبق للأفلام والمسلسلات التى عادت لتحتل مكانها فى خيارات المشاهدة. ومن خلال حملات ممنهجة للتسويق، يتهافت المشاهدون من كل أنحاء العالم لمشاهدتها، وأكثر أمثلة كانت «جيم أوف ثرون، أو ناركوس، أو هاوس أو كارت وغيرها»، وغيرها من الأعمال التى احتلت مكانها فى المشاهدات المليارية.
كل هذا غير من سلطة المشاهد والريموت كنترول، وغير القاعدة بشكل كبير. لم يعد المشاهدون والمستمعون يذهبون الى المحتوى، برنامج أو مسلسل او مذيع ما، ولم يعد يكفى أن تقدم الشاشة برنامجا أو محتوى جيدا، بل يجب أن يتم تسويق هذا المحتوى بشكل جيد، طبعا هناك استثناءات.
ومن المفارقات أن نسبة الإقبال والمشاهدة والتفاعل مع تراث التليفزيون القديم نسبيا أكثر مما هو حادث مع المحتوى الجديد، ويكفى مراجعة حجم المشاهدة لقناة ماسبيرو زمان من مسلسلات أو أفلام أو برامج لاتزال تحظى بمشاهدة ومعها مئات البرامج والأعمال التى تعرض فى ماسبيرو زمان سواء بالتليفزيون أو القناة على يوتيوب.
ولايزال الإقبال على مشاهدة هذه الأعمال كبيرا من أجيال لم تعاصر هذه الأعمال، وتظل الأعمال المقدمة حاليا أقل جودة وتأثيرا، هى ظاهرة موجودة فى السينما العالمية، لكن الشركات نجحت فى عبور فجوة المعلومات واستفادت من التقنيات وتقدم محتوى سينمائيا ودراما مناسبين ويجد سوقا ويحقق عوائد.. بينما لاتزال أجيالنا تعيش على المنتجات السابقة فى ماسبيرو زمان.
هذا هو ما يفترض أن يشغل اهتمام القائمين على الإعلام والثقافة، أن يكون لدينا محتوى ينافس فى ظل تدفق لا يمكن وقفه أو منعه من الأفكار. ربما لأننا نناقش أمورا لاتزال خارج السياق.