سؤال بدأ يتردد بقوة، سواء على مواقع التواصل الاجتماعى، أو حتى فى محيط العائلات والأسر؟ وكثير من أقاربى يسألوننى باعتبار أننى صحفى: هل سندخل حربًا ضد تركيا على الأراضى الليبية؟
مجريات الأمور في شرق المتوسط، وتصرفات تركيا الأخيرة بالتنسيق مع حكومة الإخوان – فاقدة الشرعية – تدفع المنطقة الى حافة الهاوية، وإلى صدام شبه محقق، مصر على مدار تاريخها لا تبادر بالعدوان، ولا تتدخل في شئون الغير، وترسخ هذا المفهوم مع قدوم الرئيس عبد الفتاح السيسى للحكم، مدعومًا ودفوعًا برغبة شعبية طاغية.. ولكى نعرف ببساطة لماذا تهتم مصر بليبيا، ولماذا تعتبر ما يحدث على أراضيها شأن مصري أيضًا، يجب أن نعرف أولا أن ليبيا تحولت إلى ملاذ آمن لكل الجماعات الإرهابية المسلحة، التى نقلت بدعم لوجستى تركى من سوريا إلى الأراضى الليبية، هذا الاهتمام ببساطة، أيضًا، لأن هناك حدود مشتركة تمتد إلى أكثر من 1200 كيلومتر، كانت فى فترة تولى الإخوان، وفترة السيولة التى أعقبت ثورة يناير، منفذًا لعبور الجهاديين، وتهريب السلاح من كل شكل ولون، وبسبب ذلك عرفت مصر –فى تلك الفترة– ولأول مرة فى تاريخها وجود أسلحة ثقيلة فى يد الجماعات الإرهابية، تم الاستيلاء عليها من مخازن الجيش الليبى بعد انهياره، هذه الجماعات كمنت مثل فئران الجبال، فى الجحور لحين قدوم التكليفات، بتنفيذ المهام الإرهابية ضد مقدرات الدولة، ولكن بفضل الله، وبفضل جيش مصر الذى استعصى على الانهيار، تم تجفيف منابع الإرهاب، واقتلاعه من جذوره، فى عدة سنوات صعبة ولكن الفاتورة كانت غالية، من الدماء الطاهرة الزكية لأبناء هذا البلد فى الجيش والشرطة، إضافة إلى استنزاف مقدرات كان يمكن أن توجه للتنمية، ولا يخفى على أحد أن أردوغان تركيا يناصب مصر العداء منذ أن قررت أن تختار طريقها وتتخلص من سرقة "إخوانه" للقرار المصري، حاول بكل الوسائل، ودخل فى تكتلات خائبة شرقًا وغربًا، أبرزها مع "تميم" قطر، ولكن دون جدوى، ومضت مصر فى طريقها تبنى وتعمر، ولا تعادى إلا من يعاديها، وتم ترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص، وكانت نتائجها المبهرة في حقل ظهر، وغيره من الحقول، وهنا جن جنون أردوغان وقرر أن ينقل الحرب الى الفناء الجانبى للبيت المصرى، ورغم أن تركيا لا ناقة لها ولا جمل فى ليبيا، ولم تكن يومًا مهمومة بشأنها، لا توجد حدود برية مشتركة، ولا وشائج دائم، ولغة، وعلاقات نسب مثل التى بين مصر وليبيا، رغم كل ذلك، ذهب إلى السراج حليفه الإخوانى من أجل أن يجد له موطأ قدم فى ليبيا، من خلال اتفاقية أمنية تتيح له التواجد العسكرى على الأراضى الليبية، تحت شعار إنقاذ الشرعية.
هل مصر تسعى للحرب، أو الدخول فى نزاع مسلح مع أى طرف؟
السياسة المصرية فى الملف الليبى ترتكز على مبدأ مهم يتجلى فى الحل السياسى، من خلال الفرقاء الليبيين، مستندًا إلى اتفاقية الصخيرات، وذلك من دون تدخل عسكرى، من أى طرف، مصر إذن مع الشرعية، ومع دعم الجيوش الوطنية، وهى صراحة ضد الميليشيات أيًا كانت وتحت أى مسمى، والدليل أن كل الجيوش الوطنية التي انفرط عقدها لم تعد، ودفعت البلد فاتورة غالية وما زالت كما فى العراق على سبيل المثال، لذلك ترى مصر من هذا المنطلق أن تدخل تركيا عسكريًا، سوف يزيد اشتعال الموقف، ويؤججه، ولن يكون فى اتجاه الحل، بل إنه يأتى من طرف خارجى غير معنى لصالح أحد الطرفين المتحاربين ضد الآخر، والفاتورة المرة سوف يدفعها الشعب الليبي.
من غير المنتظر أن تقف مصر موقف المتفرج، كما تقول مذيعة الجزيرة: وما شأن مصر بالصراع الليبي؟ لأن ببساطة الشأن الليبي، هو شأن مصرى من الدرجة الأولى، والحرب التى يشعل فتيلها أردوغان على الأراضى الليبية، يستهدف بها مصر بالدرجة الأولى، ولن تقف مصر تتفرج حتى تتحول هى نفسها الى أرض يتقاتل عليها المتناحرون، ولن تسمح بما فعله أردوغان عندما استباح الأراضى السورية، مدعيًا مطاردته للإكراد، مصر لن تتردد فى حماية أمنها، وحدودها الإقليمية، وهى جاهزة فى أية لحظة لأية تداعيات غير محسوبة، من أى مغامر، أو منفلت، أو متحرش، أو مريض.
لا أملك خبرًا أرد به على أسئلة أقاربى، ولكن الذى يتابع صحف الصباح، ونشرات الأخبار، ومواقع التواصل الاجتماعى بالتأكيد سوف يقرأ، ويشاهد ويسمع عن المناورة البرمائية الضخمة التى نفذتها قواتنا المسلحة فى مكان ما فى سواحلنا الغربية، وفيها ظهرت حاملة الطائرات ميسترال، والغواصات الألمانية، وغيرها من الأسلحة البحرية المتطورة التى تساءل البعض لماذا تشتريها مصر، هذه المناورات وسابقاتها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، تقول ببساطة إن لهذا البلد جيش يحميه، ويحمى مقدراته الاقتصادية أيا ما كانت.
كمصري لا أتمنى حربًا أيًا كانت، والجيوش القوية المسلحة هى للردع بدرجة الأولى ولرد العدوان لمن تسول له نفسه، ولكن ماذا نفعل إذا كتب علينا القتال وهو كره لنا؟
بالتأكيد سنقاتل حتى آخر نقطة دم دفاعًا عن شرف هذا البلد وأرضه.