ضجة كبيرة و جدال واسع و تضارب بالآراء ما بين مؤيد و معارض لخطة تطوير ميدان التحرير و نقل أربعة تماثيل للكباش من الأقصر تتوسطهم مسلة ضخمة سيتم نقلها من صان الحجر بالشرقية لتزيين الميدان الأكثر شهرة عالمياً .
اعترض عدد من خبراء الآثار ووقعوا مذكرة لرفعها للرئيس، كما انضم لهؤلاء عدداً من رواد التواصل الاجتماعي من غير المتخصصين، إذ أطلقوا تدوينات وتغريدات النواح و العويل و الانتقاد الغير مبرر بحجة الحرص علي الآثار المصرية الثمينة دون أسباب منطقية و دون معرفة كاملة بتفاصيل العملية ككل، أى أنهم باختصار، وكما هو المعتاد يتداولون و يرددون ما ليس لهم به علم، فحقاً إن أردت أن تشعل الرأي العام تجاه قضية أو موضوع ما ، فعليك بوسائل التواصل المختلفة ذات الجماهير العريضة التي و باللغة الدارجة.
( بتهيص في الهيصة )!
في حين أنه إذا أمهل هؤلاء المستشيطون غضباً أنفسهم القليل من الوقت لدراسة الأمر جيداً للوقوف علي أسباب الضرر الذي سيقع جرائه في مقابل الميزات و المكاسب التي سيحققها بالمقابل ، لتكون هناك مبررات مقبولة للرفض أو القبول لكان خيراً لهم و لنا .
فقد استمعت جيداً لآراء المتخصصين ما بين مؤيد و معارض بصفتي غير مؤهلة للحكم علي مساوئ أو حسنات هذا القرار ، ووجدت أن مجموعة المعترضين يستندون علي :
أن "قرار نقل الكباش من الكرنك، والمسلة من صان الحجر بالشرقية، مخالف للأعراف الدولية المنظمة للحفاظ على الآثار والمباني التاريخية، على غرار البند السابع من ميثاق البندقية المنظم لأعمال الحفاظ على المواقع والمباني الأثرية، الذي يعد المرجع الأساسي لوثيقة التراث العالمي باليونسكو الصادرة عام ١٩٧٤ والتي وقعت عليها مصر".
ولكن:
ما تحققت منه أن هذا البند من ميثاق البندقية يتضمن فقط المباني و الصروح الأثرية ، كالبيوت الموجودة بمنطقة القاهرة القديمة و القصور الموجودة في بعض محافظات مصر و المعابد الفرعونية بصعيد مصر و غيرهم من المباني التي لا يسمح حسب الميثاق الموقعة عليه مصر بنقلها من مكانها .
و لا يتضمن التماثيل و القطع الأثرية علي الإطلاق .
كما أن هذه التماثيل الأربعة للكباش الفرعونية ليست لها علاقة بطريق الكباش الشهير الذي يربط بين معبدي الأقصر والكرنك، إذ أنها مجموعة إضافية لهذه التماثيل مخزنة بالفناء الخلفي للمعبد لا يراها أحد و لا يسمح للزائرين بدخولها .
فلم لا يتم تزيين ميدان التحرير بهذه القطع الأثرية المخزنة ليراها المصريون أنفسهم ممن لا يستطيعون السفر لأماكن الآثار، والتي نعلم جميعاً أنها رحلة مكلفة مادياً لا يقو علي تحملها معظم المصريين، و لم لا ننقل لقلب العاصمة بعضاً من عبق التاريخ المصري العريق و يكون استقبال السائح الذي يبدأ رحلته بمصر من القاهرة استقبالاً مبهراً يحمل رسالة مباشرة بهوية مصر العظيمة ، لتكون بمثابة جملة الترحيب المشوقة الدافعة لاستكمال الرحلة .
و ما الذي يضير التماثيل المخزنة بفناء مكشوف خلف المعبد لا يحتمي من شمس حارقة لآلاف السنوات ، بحجة تلوث وازدحام القاهرة؟
ألم تكن الأهرامات الثلاثة بالجيزة محاطة بأعلي مناطق المحافظة ازدحاماً و تلوثاً ؟
ألم تكن روما العاصمة بمثابة متحف مفتوح يكتظ بالآثار الرومانية القديمة المتاحة للجميع سواء كانوا سياحاً أو مواطنين ؟
و أخيراً و ليس آخراً،
ألم تتزين معظم ميادين العالم المزدحمة بقطع أثرية مصرية تمت سرقتها أو بيعها بشكلً أو بآخر ، و ما زالت عمليات الاستنزاف لآثارنا مستمرة ،
أم أن اليونسكو و خبراء الآثار لم يتوقفوا يوماً أمام هذه الحقيقة ؟
نهاية :
ليس هناك ما يمنع علي الإطلاق إعادة إحياء الأماكن الحيوية وعلي رأسها ميدان التحرير بقلب العاصمة بقطع أثرية تعكس تاريخنا وحضارتنا بما لا يضر بهذه الآثار، ولا يخل بالمواثيق و الاتفاقات الدولية، وبشرط أن تتخذ الدولة كافة الإجراءات الأمنية المشددة لحمايتها والحفاظ عليها بما يتناسب وقيمتها التي لا تقدر بثمن.