فى أواخر القرن الـ 17 كانت سلطنة عمان من أقوى الإمبراطوريات التى تنافس بريطانيا والبرتغال فى فرض نفوذها للسيطرة على المناطق الساحلية، وبلغت ذروة هذه المنافسة فى القرن الـ 19 بعد أن وصل النفوذ العُمانى إلى باكستان وإيران جنوباً حتى زنجبار، إلا أنها تراجعت فى القرن الـ 20 بعد التأثير البريطانى على الخليج العربى قبيل الحربين العالميتين الأولى والثانية، إلا أنه وبعد رحيل بريطانيا عن الخليج العربى عادت سلطنة عمان لتحتل المرتبة الـ 23 فى احتياطى النفط والمرتبة الـ 27 فى احتياطى الغاز الطبيعى على مستوى العالم، وتحتل السلطنة المرتبة الـ 64 من بين أكبر اقتصادات العالم بفضل السلطان قابوس، الذى جعلته خصوصيته وابتعاده عن المشاكل التى تشهدها المنطقة مثار جدل لمن لا يعرفه ويجهل تاريخه، ولمن لا يعرفه فهو وريث تلك الامبراطورية العريقة وكان إنساناً راقيا محباً للخير مثقفاً متذوقاً للموسيقى، خريج أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية فى بريطانيا، تسلم حكم بلاده فى عام ١٩٧٠ وهى تعانى من الانقسام والتخلف، وعلى مدار الخمسين عاماً التى تولى فيها حكم البلاد كان كل همه توحيدها والنهوض بها وكان له ما أراد، ولم تشغله عن وطنه الصراعات القائمة فى المنطقة ولم يتدخل فيها إلا للصلح بين الأطراف، وهو الحاكم العربى الوحيد الذى لم يقطع علاقاته بمصر عام ١٩٧٨ عقب زيارة الرئيس الراحل أنور السادات لإسرائيل، كان متسامحاً محباً للخير حكيماً فى سياسته التى قامت على الانشغال ببلده وعدم التدخل فى شئون الغير. رحمه الله وحفظ الشعب العمانى الحبيب صاحب الحضارة القديمة والتاريخ المشرف.
كان المصريون الوافدون للسلطنة يعاملون أفضل معاملة بفضل حب السلطان وحب الشعب العمانى لمصر والمصريين، وظهر ذلك من خلال الحزن الذى سيطر على المصريين بعد سماعهم نبأ الوفاة، وظهر ذلك على مواقع التواصل الاجتماعى من سطر كلمات الحزن التى عبرت عن مشاعرهم تجاه هذا السلطان العظيم الذى نعاه الرئيس عبدالفتاح السيسى بكلمات تعبر عن حالة الحزن العميق لدى الرئيس لفقد السلطان قابوس وأعلن الحداد بمصر لثلاثة أيام.
تعد عائلة بوسعيدى من أقدم العائلات الحاكمة لعمان منذ 14 جيلا، ونجحت عمان فى تحقيق العديد من النجاحات السياسية والاقتصادية فى عهد السلطان «قابوس»، الذى استطاع خلال حكمه دمج المناطق الصحراوية المحافظة مع المجتمعات الساحلية، كما تأثر بروح الحداثة مع الحفاظ على اللباس والهواية.
وتعتمد عمان فى سياستها على فكرة السلام والمفاوضات والبُعد عن الصراعات؛ لذلك لعبت عمان دور الوساطة فى العديد من الأزمات والقضايا السياسية الإقليمية والدولية، وبعد عام واحد من توليه الحكم -عام 1970- انضمت عُمان إلى جامعة الدول العربية، وقد أوضح السلطان قابوس الخطوط الرئيسية لسياسته الخارجية وذكر أنها مبنية على حُسن الجوار مع جيرانه وأشقائه وعدم التدخل فى شئونهم الداخلية وتدعيم علاقات عُمان معهم جميعاً، وإقامة علاقات ودية مع سائر دول العالم والوقوف مع القضايا العربية والإسلامية ومناصرتها فى كل المجالات، وتأكيدا لإيمانه بالحياد الإيجابى ومناصرته قام بإرسال بعثات دبلوماسية تمثل عُمان فى أغلب أقطار العالم، كما فتح أبواب عُمان أمام البعثات الأجنبية وأنشئت فيها القنصليات والسفارات والهيئات الدولية والإقليمية، وحققت سياسة السلطان قابوس الاستقرار والأمن لعُمان وهما الدعامتان الأساسيتان لبناء السلطنة ولتحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية.
ولعل اهتمام السلطان قابوس بدفع عُمان إلى حالة متقدمة من المعاصرة مع الإبقاء على الأصالة العُمانية التقليدية بحيث لا تفقد عُمان هويتها وفى إطار ذلك يكون اهتمام قابوس بالثقافة هو الشىء الأبرز والذي ترك آثاره الواضحة فى عُمان، فبفضل قراره أصبح لدى السلطنة جامعة السلطان قابوس، وللسلطان قابوس اهتمامات واسعة بالدين واللغة والأدب والتاريخ والفلك وشئون البيئة، حيث يظهر ذلك فى الدعم الكبير والمستمر للعديد من المشروعات الثقافية وبشكل شخصى محلياً وعربياً ودولياً، سواء من خـلال منظمة اليونسكو أو غيرها من المنظمات الإقليمية والعالمية.
ومن أفضال السلطان قابوس الانتقال السلمى للسلطة التى آلت للسلطان هيثم بن طارق آل سعيد والذى تولى منصب وزير التراث والثقافة بين فبراير 2002 وحتى 11 يناير 2020، وشغل عدة مناصب فى وزارة الخارجية منها الأمين العام ووكيل الوزارة للشئون السياسية ووزير مفوض، وتولى رئاسة الاتحاد العمانى لكرة القدم بين عامى 1983 و1986 وترأس اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الآسيوية الشاطئية الثانية التى أقيمت فى مسقط عام 2010، وكان رئيسا فخريا لجمعية الصداقة العمانية اليابانية.
وكانت أولى كلماته فى أول خطاب له، عقب توليه رسميا مهام السلطنة فى عمان، أسس ومبادئ سياسة بلاده خلال المرحلة المقبلة، حيث أكد التزامه بخط السياسة الخارجية الذى انتهجه سلفه السلطان قابوس لاحترام سيادة الدول والتعاون الدولى فى جميع المجالات، مؤكدا التزامه بالقانون الدولى والعمل على حل الخلافات بالطرق السلمية، وأنه سيواصل العمل مع دول مجلس التعاون الخليجى فى دفع مسيرة التعاون للإسهام فى دعم القضايا الخليجية، ودعمه لجامعة الدول العربية لتحقيق أهدافها لصالح الأمة كلها والعمل على تحقيق التكامل الاقتصادى لخدمة الشعوب العربية، وأن عمان ستواصل دورها كعضو فاعل فى منظمة الأمم المتحدة لنشر السلام والرخاء لجميع دول العالم.
رحم الله السلطان قابوس حبيب مصر، ووفق السلطان هيثم فيما هو مقبل عليه، ليسود السلام والحب بلادنا العربية برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.