فى عام 1988 اُسقطت اثنتان من طائرات الركاب إحداهما تحمل 259 راكبا والثانية 290 راكبا، بينما يفصل بين الحادثين خمسة أشهر لكن كلاهما يجمعهما صراع بين دول فى الشرق الأوسط والولايات المتحدة. الحادثة الأولى، 3 يوليو 1988 خلال ما يسمى بحرب الناقلات فى مضيق هرمز، أطلق البحارة الأمريكيين على متن السفينة الحربية (يو إس إس فينسنس) النار على طائرة تابعة للخطوط الإيرانية الرحلة 655، كانت تحلق فى الجو ظنا انها طائرة عسكرية، مما أسفر عن مقتل 290 مدني.
اشتعل الصراع بين أمريكا وإيران بين عامى 1987 و1988، والتى كانت قد بدأت بالأساس بين الرئيس العراقى صدام حسين ونظام الخمينى فى إيران، لكن مع استهداف إيران لناقلات النفط وتهديدها بغلق الخليج العربى فى وجه السفن المحملة بالنفط العراقي، التابعة للدول الداعمة لصدام، وعلى رأسها الكويت والإمارات، طلب الكويتيون المساعدة من الغرب، وبالفعل أرسلت الولايات المتحدة أسطولا إلى الخليج، رافعين العلم الأمريكى فوق الناقلات التجارية الكويتية.
زرع الإيرانيون الألغام فى مضيق هرمز وأطلقوا قوارب هجومية ضد كل من الناقلات والسفن الحربية الأمريكية. وبالفعل اصطدمت سادس أكبر سفينة فى العالم، الناقلة الأمريكية "إس إس بريدجستون"، فى 24 يوليو 1987، بلغم إيرانى وغرقت. وخاضت بعدها القوات البحرية الأمريكية أكبر معركة منذ الحرب العالمية الثانية ضد زوارق هجوم آية الله. ثم بعدها اسقطت القوات الامريكية طائرة الركاب الإيرانية عن طريق الخطأ، وربما جاء الحادث كقربان لإنهاء فصل من الصراع المدمر، فأخيرا اقر الخمينى بهزيمته ورفع فى أغسطس 1988، دعوى لوقف إطلاق النار بعد تعرضه لهزيمة كارثية على الأرض ضد القوات العراقية.
فى فبراير 1996 وعلى الرغم من رفض الولايات المتحدة الاعتراف بالمسئولية القانونية او الاعتذار رسميا عن إسقاط الطائرة لكنها وافقت، على دفع 131.8 مليون دولار لإيران فى تسوية رفعتها طهران ضد الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية تتعلق بالحادث.
الحادث الثاني، فى 21 ديسمبر عام 1988، اسقطت طائرة ركاب تابعة لخطوط الطيران الامريكية "بان أمريكان وورلد إيروايز" من طراز بوينج 747-121 فوق منطقة لوكيربى فى اسكتلندا، فى عملية إرهابية ادين فيها ضابط الاستخبارات الليبية عبد الباسط المقراحى بـ270 تهم قتل تتعلق بتفجير الطائرة ومقتل جميع الركاب وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
منذ تفجير الطائرة بان إم 103 وحتى عام 2003، رفض نظام الزعيم الليبى معمر القذافى تحمل المسئولية نافيا توجيه اى اوامر بالهجوم. ويعود الصراع بالأساس إلى سلسلة من المواجهات العسكرية بين البلدين فى خليج السدرة منذ بداية الثمانينات، الـذى زعم القذافى انها مياه إقليمية ليبية. حيث وقع أولا حادث خليج سدرة باستهداف البحرية الامريكية اثنين من طائرات سوخوى المقاتلة الليبية فى إطار عمليات حماية حرية الملاحة. وفى عام 1986 تلاه حادثين آخرين مما دفع القذافى للإصرار على الانتقام. وبعدها تم توجيه اتهام للقذافى بتوجيه أوامر لتفجير ملهى ليلى فى برلين الغربية، حيث لم يكن سور برلين قد سقط بعد، يرتاده افراد عسكريون أمريكيون مما اسفر عن مقتل ثلاثة أمريكيين وإصابة 230 شخص.
منذ ذلك الحين وحتى عام 2003 اتسمت هذه السنوات بالعداء بين ليبيا والولايات المتحدة، لكن تحت ضغط العقوبات الدولية ومع صعود تنظيم القاعدة الإرهابى الذى أصبح عدو مشترك بين البلدين، تقدم القذافى بعدة مبادرات لفك العزلة الدولية على بلاده شملت التخلى عن ترسانة الاسلحة النووية، وتحمل المسئولية عن تفجير لوكيربى ودفع تعويضات لعائلات الضحايا حيث عرض النظام فى مايو 2002 تسوية تبلغ 2.7 مليار دولار لعائلات الضحايا الـ270 وتعويضات 300 مليون دولار لليبيين ضحايا الغارات الجوية الأمريكية فى ليبيا عام 1986 والتى شنها الرئيس الامريكى الراحل رونالد ريجان على طرابلس وبنغازى انتقاما لمقتل الضباط الامريكيين فى تفجير ملهى برلين.
و فى اكتوبر 2008، قبل ثلاث سنوات من الإطاحة بنظامه، دفع القذافى 1.5 مليار دولار فى صندوق يستخدم لتعويض عائلات الضحايا، لتتحول ليبيا من دولة راعية للإرهاب إلى حليف للولايات المتحدة فى الحرب على الإرهاب وفحت الأراضى الليبية للاستثمارات الامريكية فى قطاع النفط، كما عقد القذافى مع رئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير الاتفاق الشهير المسمى ب "اتفاق الصحراء" لإعادة العلاقات بين ليبيا وبريطانيا.
الطائرة الأوكرانية التى اسقطها النظام الإيراني، عن طريق الخطآ، فى الثامن من يناير الجارى خلال هجمات صاروخية استهدف قاعدتين فى العراق تضما القوات الأمريكية، وراح ضحيتها جميع الركاب 176، والذين أاغلبهم مواطنين إيرانيين، ربما تكون قربان جديد لإنهاء فصل من الصراع بين واشنطن وطهران على غرار طائرتى 1988.
كما أن رد الفعل الإيرانى يبدو فيه انكسار او شعور بنوع ما من الضعف. فبعد أيام قليلة من محاولة التهرب من المسئولية بزعم أت الطائرة سقطت نتيجة لعطل فى المحرك، لكن أمام الضغوط الدولية اعترف الحرس الثورى الإيرانى، بإسقاط الطائرة بالخطأ، معلنا فى ١١ يناير، تحمله المسؤولية الكاملة عن تحطم الطائرة. وقال قائد القوة الجو فضائية التابعة للحرس الثورى الإيرانى العميد أميرعلى حاجى زادة: "نتحمل مسؤولية إسقاط الطائرة الأوكرانية وسننفذ أى قرار يتخذه المسؤولين."
عقب ذلك الاعتراف، انفجرت موجة من الغضب فى انحاء البلاد تطالب بإسقاط الحكومة بل تحولت مشاهد الجماهير الغفيرة التى سارت فى جنازة قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الذى قتلته القوات الامريكية فى غارة جوية فى الثالث من يناير الجاري، إلى مشاهد لمحتجين يمزقون صوره ويرددون شعارات تطالب برحيل الزعيم الأعلى على خامنئى وبإنهاء سلطة الحرس الثوري.
النظام الإيرانى بات فى آضعف حالاته، فبين العقوبات الاقتصادية الخانقة التى تفرضها الولايات المتحدة والتى أدت بالفعل إلى تدهور الوضع الاقتصادى داخليا وبين غضب شعبى عارم واخطاء بالجملة ربما تحمل الأيام المقبلة الكثير من التنازلات الإيرانية لانهاء عداء تاريخى مع جيرانها والعودة لمائدة المفاوضات مع واشنطن.